مزق ياسين محمد ياسين فاتورة عليها شعار ما يطلق عليها الدولة الإسلامية. ويجد سائق شاحنة البصل نوعا من الراحة النفسية عندما يمزق الورقة وكأنه ينتقم من 40 جلدة تعرض لها عندما ضبطه حراس نقطة تفتيش لتنظيم الدولة وهو يحمل علبة سجائر في شاحنته.
فالفاتورة التي مزقها ياسين وعمره 48 عاما تؤكد أنه دفع الضريبة المفروضة على البضاعة التي يحملها معه.
وعندما يبتعد السائق عن نقاط تفتيش التنظيم ويسرع باتجاه العاصمة دمشق يفتح خزانة سرية ويخرج منها علبة سجائر ويبدأ بالتدخين. ويدير مفتاح الراديو في الشاحنة حيث يبدأ بالاستماع للأغاني ولأول مرة منذ 3 أيام هي طول الرحلة التي يقضيها في مناطق تنظيم الدولة. فقبل اندلاع الانتفاضة عام 2011 كان سائق الشاحنة يقطع المسافة بين الحسكة ودمشق بثماني ساعات، أما الآن فالرحلة أطول بسبب الحواجز التي يقيمها مقاتلو المعارضة على طول الطريق، وأحيانا يتم تأخير الشاحنة لسبب أو لآخر أو من خلال طلبات غير متوقعة. ويؤدي اندلاع المعارك لتأخير إضافي، ولهذا يفضل سائقو الشاحنات المشي معا في الطريق الصحراوي إلى سوق الهال في دمشق.
وفي الوقت الذي يسيطر فيه نظام بشار الأسد على معظم غرب
سوريا، فإنه خسر مناطق شاسعة لتنظيم الدولة في الشرق ومناطق الشمال لمقاتلي المعارضة.
وتقول صحيفة "صاندي تايمز" إن الفاتورة التي مزقها ياسين هي واحدة من الضرائب التي تفرض عليه وزملائه من السائقين في الطريق إلى دمشق وكلما واجهوا نقطة تفتيش. ولا يمكن للسائق الاحتفاظ بالفاتورة لأن اكتشافها على حواجز النظام يثير المشاكل. ويقول ياسين إن التنظيم فرض ضريبة جديدة وهي ضريبة الجمارك بالإضافة للضرائب الأخرى. ويطلب مقاتلو التنظيم من السائقين على طول الطريق إثبات أن ما تحمله الشاحنة يتطابق مع الاعتراف المقدم لهم. ويطلب منهم مثلا الحفر في وسط الحمولة حتى يرى المقاتل قاع الشاحنة. ويقول ياسين للصحافية هالة جابر: "تخيلي شاحنة ملأى بأكياس البصل حتى الحافة ويطلب مني الحفر في الوسط حتى أريه القاع، هذا كابوس".
وتعلق جابر بأنه "على الرغم من الجماعات السورية المعادية، فإن الصلات الاقتصادية التي كانت قبل الحرب تواصلت".
وكان الفرنسيون الذين احتلوا سوريا بعد الحرب العالمية الثانية هم الذين أقاموا سوق الهال على اسم سوق في باريس وهو "لاهال" ويجسد السوق العلاقات التجارية بين أجزاء سوريا. ويقع قريبا من خطوط القتال من الحي الذي يسيطر عليه المقاتلون وهو جوبر. وفي بعض الأيام السيئة يصاب العاملون فيه. فقبل أسبوع قتل 15 شخصا وجرح العشرات في الهجوم.
ويحصل ياسين على 90 دولارا أو يزيد مقابل طن البصل الذي يحمله. والسعر متدن لأن هناك الكثير من السائقين المستعدين للقيام بالرحلة رغم خطورتها.
وفي السوق يتبادل أصحاب المحلات والعاملون فيه أخبار النزاع. ولوحظ أن الكثيرين منهم أطلقوا لحاهم ويعتنون بها من أجل المرور على نقاط تفتيش تنظيم الدولة.
وعادة ما يتهامس السائقون وهم يتبادلون الأخبار عن تقدم المعارضة وخسائر النظام. ويفرغ العتالون البضائع وينقلونها من الشاحنات إلى العربات الصغيرة. وفي السوق عنب من حمص وطماطم من درعا وبطاطا من حماة وزيتون من إدلب.
وأُثناء تدخين السجائر وشرب الشاي يتحادث ياسين وسليمان الذي رافقه في الرحلة عن أثر الحرب على عائلتيهما. ويقول ياسين إن ابنه أحمد (15 عاما) بدون مدرسة "لا توجد مدارس فهي مغلقة".. أولا "جاء الثوار وسيطروا عليها وحولوها لقواعد ومن ثم جاء القتال وبعدها جاء تنظيم الدولة والشريعة". ونقل البضائع هي واحدة من الأعمال التي يقوم بها، فهو يعمل في محطة كهرباء في الحسكة وبهذه الطريقة يستطيع توفير المال لدعم عائلته التي فرت إلى تركيا. وفي أثناء وجوده في سوق الهال، يشتري بضائع لبيعها في الحسكة. ويقول: "هنا أشعر بالحرية وأفعل ما أريد، مثل الأيام القديمة في السوق" و"لا نستطيع التحرك وعندما كنت أعمل سائق تاكسي كنت أذهب أينما أريد في النهار والليل، ما حصل لنا هو كارثة، كارثة حقيقية".