لم يعرف المجتمع السوري
تعدد الزوجات إلا في حالات نادرة من قبل، إلا أن سنوات الحرب الأخيرة طورت هذه الظاهرة وزادت من انتشارها بشكل سريع يفوق التوقعات. ورغم أن ظروف الحرب عادة لا تكون مناسبة لنمو هذه الحالات، إلا أن الوضع السوري فيما يبدو قد اكتسب خصوصية في مختلف الأصعدة تميزه عن غيره.
يرى بعض السوريين أن تعدد الزوجات، أو ما يسمى عادة بـ"
الزواج الثاني"، ولد حديثا وانتشر بسرعة كبيرة، إلا أنه لم يشمل إلا أصحاب الدخول المادية الجيدة.
وفي إشارة إلى من استفادوا ماليا من هذه الحرب، كما يقول محمود، المعلم في مدرسة ابتدائية في أنطاكيا التركية، فإن "الزواج الثاني أصبح (موضة)، ولكن ليس عند الجميع بل عند فئة قليلة مرتاحة ماديا".
وأضاف في حديث لـ"عربي21" قائلا: "القيام على شؤون أسرتين وفتح منزلين أمر ليس بالسهل في ظروف الحرب التي تمر بها البلاد، بل إن معظم الأسر لا تجد ثمن طعام أطفالها، وأرى أننا لا يمكن أن نعمم ونقول إنها ظاهرة تتعلق بالمجتمع السوري كله، لكنها تتعلق بمن جمعوا الأموال من جوعنا وشقائنا"، وفق تعبيره.
ويتابع محمود متسائلا: "هل رأيتم فقيرا قد تزوج بأخرى خلال السنوات الأخيرة؟"، ليتابع مجيبا: "بالتأكيد لا، فالفقير يقضي وقته بحثا عن طعام أطفاله".
ويرى محمود أن "الذين تزوجوا بأخرى هم من موظفي المعارضة أو من قادة الجيش الحر فقط، الذين استطاع الكثير منهم تحسين أوضاعهم المادية مؤخرا"، مضيفا بقوله: "حتى الشبيحة لم يقدموا على خطوة الزواج الثاني، فمن المعروف للجميع أن هؤلاء يعيشون في جو منحط أخلاقيا ولا يتزوجون، بل وفرت لهم قياداتهم مجالات أخرى للجنس الحرام تحت عناوين مختلفة، كالمتعة وما شابه".
وتروي أم طارق حكايتها لـ"عربي21"، وكيف أصبحت في التسمية المحلية "الزوجة القديمة"، حيث صار لها "ضرة".
وتقول: "عشر سنوات من الزواج السعيد الذي كلل بثلاثة أطفال، قضيناها أنا وزوجي وأطفالي بسعادة وهناء، رغم فقرنا وعناء زوجي في تأمين العمل بشكل مستمر"، مضيفة: "ما إن اندلعت الثورة السورية حتى أصبح زوجي قائدا لأحد التشكيلات في الجيش السوري الحر، بعد أن شارك في الحراك السلمي ضد النظام، ومن ثم بعض المعارك التي قاتل فيها وزملاؤه بشكل بطولي".
وتشرح أم طارق كيف تغير حال زوجها، فتقول: "بعد فقر شديد بدأت الأموال تكثر بين يدي زوجي، الذي كان ينفق الكثير منها على تمويل تشكيله العسكري، إلا أنه حقيقة لم ينفق كل ما يصله، بل كان يبذر المال بشكل غير منطقي، وكانت النتيجة أن تزوج بأخرى أصغر مني بسبع سنوات، وبدأ ينفق المال عليها وعلى عائلتها دون حساب أو ضمير، رغم أنها من بيئة مؤيدة للنظام".
وتتابع قائلة: "رغم أنه طلقها (الزوجة الثانية) مؤخرا، إلا أنكم قد تستغربون إن قلت لكم إنها طلبت الطلاق لأن زوجي تزوج بثالثة، وهذا ما أغضبها، ويبدو أنها شعرت بما شعرت به عندما تزوجها"، بحسب قولها.
ويرجع المهندس أبو غسان الموضوع إلى قلة تكاليف الزواج زمن الحرب، بعد أن كانت باهظة لا يستطيع تحملها معظم الرجال في الأيام العادية، حتى بالنسبة لمن يتزوجون للمرة الأولى.
ويقول لـ"عربي21": "أعتقد أن السبب ليس توفر المال أبدا. فعلى العكس، معظم السوريين ساءت أحوالهم المادية، لكن ما حدث مؤخرا أن أعباء
الأسرة أنهكت كاهل الآباء الذين بدأوا يرغبون بتزويج بناتهم، ولم تعد المهور كما كانت في السابق، وبدورها، حفلات الزواج المكلفة قد ألغيت أيضا، في وقت يموت فيه الناس باستمرار، ولا يليق تنظيم حفلات كهذه".
ويضيف قائلة: "تكاليف الزواج المنخفضة شجعت الكثير من الرجال على الزواج الثاني، حتى إن معظمهم يُسكن الزوجة الثانية في المنزل ذاته مع الأولى، التي تقبل رضوخا تحت الأمر الواقع في حال لم تكن على استعداد لتدمير أسرتها بسبب ما قام به الزوج".
كما يرى أبو غسان أن وفاة الكثير من الشبان أوجدت حالة من العنوسة التي أدت إلى التساهل في موضوع تزويج الفتيات برجل متزوج من أخرى، "خاصة عندما يرى الأهل أنه صاحب خلق ودين، فلا يجدون حرجا في ذلك".
أما أم طارق فتعبر بصراحة حول موقفها من زواج زوجها مرتين متتاليتين، بعد أن كان لها ولأطفالها فقط. وتقول: "كنت أتمنى أن يموت في إحدى المعارك لأفخر وأقول إنني زوجة الشهيد، وكان ذلك أفضل بالنسبة لي من أن تعيرني الجارات بزواجه. أعتقد أنني فقدته"، وفق تعبيرها.
وفي المقابل، يتحدث عمر، وهو قائد إحدى الكتائب وتزوج بأربع نساء، ثلاث منهن خلال السنوات الأخيرة بعد اندلاع الثورة في سورية، عما سماه "المنطق".
ويقول لـ"عربي21": "زوجة واحدة لا تكفي، فلم أستمر في علاقاتي المحرمة وأخطائي السابقة، وأنا المقاتل على الجبهات وقد أستشهد في أي لحظة. الحلال موجود، ولدي القدرة المادية والجسدية، فلم لا؟"، وفق تعبيره.