هل الطفل
الفلسطيني بطل؟ أم ضحية؟ سؤال لا بد من الإجابة عنه في ظل اللغط والخلط الذي حدث منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، انتفاضة القدس.
الإجابة السريعة عن السؤال بأن كلا الصفتين صحيح، بناء على نوع الجهة التي توجه الخطاب، والجهة التي يوجه إليها الخطاب، وهنا يجب أن نفرق بين نوع الخطاب المطلوب من المحطات الإعلامية الكبرى والدول العربية والمؤسسات الحقوقية التابعة لها وبين ما هو مطلوب من الشعوب.
نحن كشعوب، علينا استنباط واستخراج الشجاعة من خلال مقاومة الأطفال والصبية لدولة الاحتلال وقطعان المستوطنين كدعم وواجب وطني وأخلاقي أولا؛ ومن ثم تعزيز ثقافة التضحية والمقاومة لدى هذا الجيل، وإصباغ صفة البطولة التي يستحقونها على تلك الشجاعة، بهدف دفع الجميع للانخراط في المقاومة، خصوصا أن هذه المقاومة أوجدت توازن رعب فعلي يظهر بوضوح من الدعوات التي أطلقها بعض السياسيين والمستوطنين الإسرائيليين والتي تنادي بعدم استفزاز الفلسطينيين خشية الانتقام.
أما على صعيد الدول والمؤسسات الحقوقية والمحطات الإعلامية الكبرى، فإن الخطاب المطلوب يختلف تماما عن الخطاب الشعبي، إذ يتوجب عليهم توجيه رسائل للعالم أن الطفل الفلسطيني هو ضحية احتلال، ومن الخطأ تصويره كبطل ينقض على رجال الجيش والشرطة والمستوطنين، بل يجب التركيز على أن عمليات الطعن هي مجررد محاولة للدفاع عن النفس والمقدسات في ظل عربدة المستوطنين ودخولهم وخروجهم واعتداءاتهم المتكررة وارتكابهم سلسلة جرائم بشعة؛ من قتل وحرق وسلب لم تتوقف بحق فلسطينيين عزل بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
عليهم إظهار أن هذا الطفل هو ضحية الاحتلال وما رافقه من عمليات إذلال يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي على الحواجز على مدار الساعة.
عليهم إظهار أن هذا الطفل، الذي كبر قبل أوانه، هو ضحية ليس بسبب سنه فقط وإنما بسبب الظلم الذي وقع عليه وعلى والديه، ما اضطره أن يقوم بدور شجاع أمام كل هذا التجبر والصلف والإفراط في القوة من جانب الاحتلال.
عليهم تعريف العالم بأن هذا الطفل هو ضحية دولة دينية تبيح قتل الأطفال كما جاء في كتاب "توراة الملك"؛ الذي صدر عام 2009 والذي يقول مؤلفاه أن الشريعة اليهودية تسمح بقتل الأطفال لأنهم يشكلون خطرا على مستقبل إسرائيل!
على الإعلام العربي أن يُذَكر العالم بمنظومة الحقوق التي يتغنى، وخصوصا حقوق الطفل بدل الاكتفاء بالنظر لهمجية المحتل والصمت عليها، وأن يظهر حقيقة أن كل ما لهذا الطفل مستباح عبر تاريخ طويل من الخروقات والاعتداءات ومن السلوك الوحشي لمحتل لا يعترف بالشرائع الدولية ويضرب بها عرض الغابة!
عليهم نقل الصورة كاملة للعالم، وتبيان أن هذا الطفل هو ضحية لإهدار حقه في الحياة، وإهدار حقه في الحماية من التعذيب والإعاقة والإبادة وحقه في التعليم فضلا عن إهدار حقه كطفل أصلا .
عليهم أن يعرضوا للعالم سيرة حياة الطفل في ظل الاحتلال من لحظة خروجه للحارة للعب "لعبة الشهيد" أو "لعبة عرب ويهود"، وحتى موته في مواجهة غير متكافئة فرضت عليه من المحتل.
عليهم توضيح وتعليل نهاية حياة الطفل بأنه حين اختار الموت كان مجبرا بين موتين: إما شجاعا بطلا مدافعا عن وطنه وحقه وحق والديه، وإما موتا مجانيا على أيدي جنود المحتل الذي يدمن القتل اليومي بدم بارد.
كشعوب يجب أن نثمن تلك الشجاعة وتلك البطولة والعمل على إبرازها وتعزيزها، وكدول وإعلام يجب أن نطالب بحق الضحية من القاتل الحقيقي.