تأتي الذكرى الثانية والأربعون لحرب السادس من أكتوبر سنة 1973م، والتي نباهي بها دوما بانتصارنا على إسرائيل، واسترداد أرض
سيناء الحبيبة، وحتى لا يفهم أحد كلامي أني أقلل من جهد الجيش
المصري في هذه الحرب، وأني أحول الحقائق لأكاذيب، فإنني سأصوغ بعض الأسئلة التي تدعونا جميعا للتفكير الجاد، والبحث المنصف، حول: هل فعلا كانت حرب أكتوبر نصرا مؤزرا لنا على إسرائيل؟ أم أن ما بقي لنا من أكتوبر هو مجموعة الأغاني الوطنية عن أكتوبر، مثل: أم البطل، وباسم الله والله أكبر باسم الله، ومجموعة أفلام كالرصاصة لا تزال في جيبي، وغيره.
أين وثائق حرب أكتوبر؟ إن كل جيش وطني محترم في كل بلاد الدنيا، بعد مرور أعوام على حرب شارك فيها وانتصر، تخرج وثائق هذه الحرب، بكل حقائقها، وليس عن طريق بانوراما قامت بتصميمها وإملاء كل ما فيها الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، فقد أصبح الآن من حق هذا الشعب الذي يدفع من قوته وقوت أجياله، ودفع من قبل دماء أبنائه لهذا الجيش، أن يعلن له وثائق هذه الحرب، بكل تفاصيلها بكل أمانة وصدق.
لماذا خضنا حرب السادس من أكتوبر سنة 1973م؟ لقد خضناها لنحرر أرضنا من
الاحتلال الإسرائيلي لها، فهل تحررت أرض سيناء في أكتوبر سنة 1973م؟! إن الواقع والحقيقة تقول: إننا لم نحرر سيناء في هذا التاريخ، ولا بعده بعام ولا عامين، بل بعده بأعوام، وليس عن طريق حرب أكتوبر، بل عن طريق آخر، وهو المفاوضات والمعاهدات التي أخرجت مصر بجيشها القوي من معادلة الصراع مع إسرائيل تماما، وصار هذا الجيش حاميا لحدود إسرائيل مع مصر، فقد تسلمنا سيناء في 25 إبريل سنة 1982م عن طريق معاهدة كامب ديفيد أي بعد تسع سنوات من حرب أكتوبر، وتسلمنا (طابا) في 15 مارس سنة 1989م، عن طريق التحكيم الدولي، أي بعد (16) عاما من حرب أكتوبر، ففيم انتصرنا إذن، إذا كنا لم نحرر أرضنا التي اغتصبها العدو الإسرائيلي، وقد تسلمناها كلها بالمفاوضات والتحكيم الدولي؟!!
ولماذا بذلنا كل هذه الدماء لأجل تحرير سيناء؟ وماذا فعلنا بها بعد أن تسلمناها من اليهود؟ لقد تسلم العسكر سيناء وطابا، بل قام اليهود عند احتلالها ببعض التعمير، بينما تسلمت قواتنا المسلحة سيناء، ولم تفعل سوى أن تعاملت مع أهل سيناء وكأنهم جواسيس وخونة، ولم يضعوا فيها حجرا واحدا لتنميتها، وملف سيناء وتعامل العسكر معه ملف ذو شجون، وملف كاشف لمدى الخيانة لتراب هذا الوطن.
من المعروف أن كل دولة تحرر أرضها من مستعمر محتل غاصب، تمتلك السيادة كاملة على هذه الأرض، فهل نمتلك سيادة حقيقية على أرضنا في سيناء، وبخاصة على حدودنا مع الكيان الصهيوني (إسرائيل)، هل نمتلك كدولة وجيش وطني التواجد عند أي خطر يهدد الحدود بأي قوات نريد لدرء المخاطر عنا، أم أننا مكبلون باتفاقات قلمت أظافر هذا الجيش؟! هل نمتلك أن يكون عدد جيشنا كما نشاء، بحسب احتياج الوطن له، هل لنا الحرية في توفير العدد الذي نريد من المنضمين للجيش المصري، أم أننا ملزمون بألا يزيد تعداد هذا الجيش وقوامه عن أعداد معينة، وبتدريبات معينة، لا تسمح بأن يكون المجندون فيه ممن يقضون الخدمة الإجبارية عندهم الجاهزية والاستعداد إذا احتاج لهم الجيش في وقت يحدق الخطر بالوطن؟ الإجابة معروفة، أننا ملزمون بعدد معين ليس من حقنا أن يزيد عدد الجيش عنه، ولا يتدرب أي جندي يقضي الخدمة العسكرية على أي لون من ألوان القتال والجاهزية.
هل كل ما مر بنا من شروط واتفاقات، والتي حولت جيشنا العظيم إلى ما عرف فيما بعد بجيش كامب ديفيد، هل ما مر بنا من شروط ومعاهدات هي شروط جيش منتصر على عدو كإسرائيل؟ أم أنها شروط لا ترقى إلى شروط المهزوم بكرامة وشرف، بل شروط المستسلم بكل أسف.
إنني أقدر ويقدر غيري الكثيرون، كل جهود المخلصين من القادة والجنود في هذه الحرب، والتي انقلبت بقدرة قادر إلى ما يعرف بـ (الثغرة)، والتي تكلم فيها الكثيرون من المخلصين من قادة الجيش المصري، بأنها كانت خيانة سياسية وعسكرية، أودت بنا إلى هذا الحال المهين.
فسلام على كل من حمل سلاحه وروحه لتحرير أرض مصر من دنس الصهاينة، سلام على من لقي الله شهيدا، وسلام على الأحياء من أبطال أكتوبر، أما من لوثوا هذا التاريخ بإجرامهم وخيانتهم، وتحويل كل طاقاتهم لإذلال شعوبهم، وتصويب رصاصهم للشعب المصري، فليس لهم إلا اللعنات في الدنيا والآخرة.