أظن أن قول السيد المسيح "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، يحض على الرحمة والستر، وأنه أول تأويلا مفرطا، وأزيح عن مثابته وموضعه في الآداب والفنون الغربية والعربية، حتى باتت المستهدفة بحجر، أو بتهمة قذف، بطلة وقديسة ومعبودة الجماهير، ليس فقط في الفنون والآداب الغربية، بل في الرواية والفن العربي المعاصر أيضا، وكان ناقد سوري معروف قد اكتشف أن المومس الفاضلة، بطلة في الرواية العربية بعد أن كانت بطلة الآداب الأوربية.
البطل الغربي الفحل يحمي الظعينة، لكنه لا بد أن يتذوق عسيلتها وغالبا ما تقع في حبه، طباخ السم يذوقه فيكف براعي العسل.. أليس بطلا!
أشهر عمل أدبي غربي هو الإلياذة، وهو كتاب الغرب المقدس الحقيقي، وليس الإنجيل. قرأت بحثا رائدا للناقد صبحي حديدي، يبحث فيه عن جذور وثمار طروادة في الفكر الغربي، بمناسبة تذكر الصحفي نيكولاس كريستوف الإلياذة عشية غزو أمريكا للعراق، لكنه كان مهتما بالجانب الحربي في الموضوع، وما يهمني هنا الجانب العاطفي والجنسي، الذي نجده في خطف باريس لهيلين، فهيلين توصف بأنها أجمل امرأة في التاريخ، إنها بشكل من الأشكال عاهرة، فقد تركت زوجها، وهربت مع عشيقها الضيف، وبدلا من أن ترمى بحجر دافع عنها أهل طروادة في حرب استمرت عشرة سنوات حتى انتهت بخدعة حصان طروادة. الحصان رمز الفحولة.
تتبع ملحمة الإلياذة أخرى مثلها، هي "ملحمة تريستان وايزولد"، وهي ملحمة الحب اللعنة، الحب الحرام، أو النسخة الثانية من أوديب، وفيها يرسل الملك مارك ابن اخته تريستان ليخطب له ايزولد، فيتجاوز الأخطار، ويقضي على العملاق، ويسفر الحسناء، وفي الطريق يشرب المشروب السحري (الخمرة مشروب سحري) ويقع على ايزولد، ويقضي منها الأوطار، لعله معذور.. العتب على المشروب السحري، حليب السباع! السبع الغربي لا يسبع إلا على المحرمات!
وتشبهها قصة فلم "الفارس الأول"؛ لانسيلوت فارس مشرد يتنقل بين القرى، ويتسم بالشجاعة والفروسية (صاحب الدور رتشارد غير) يصل إلى مملكة كاميلوت، حيث يقع في غرام الملكة غيونفير زوجة الملك آرثر صاحبة الدور جوليا أرموند ويقبلها في لحظة وجد، تدافع الملكة عن نفسها عند ضبطها بجرم القبلة، قائلة للملك ( يلعبه شون كونري): الحب له أشكال كثيرة! وفي النهاية تصير من نصيب لانسلوت.
روبنسون كروز هو الكتاب المقدس للحضارة الغربية الحديثة، ولا حضور فيه للنساء، وحسب علمي لم يشر أي باحث إلى مثلية محتملة لروبنسون كروز، وإن أشار كثيرون إلى سرقة دانيال ديفو قصة "حي بن يقظان" العربية من ابن الطفيل، وهي قصة يبحث بطلها العربي عن ربه وخالقه، بينما يسعى كروز إلى ربه، إلى المال والاستعمار في أرض الآخرين واستعبادهم. الأرض ظعينة أيضا!
كنت أشرت في مقال سابق إلى روايتي البؤساء، والكونت دي مونت كريستو، وبرهنت أنهما مقتبستان من قصة النبي يوسف التي يعرفها شعراء وكتاب الغرب من التوراة، وهما عملان طيبان، فيهما رسائل أخلاقية واضحة، لم تعد تتوفر في الآداب الحديثة، أو آداب الحداثة، التي يأكل فيها المثلي جان جينيه نفسه، لكن العملان الخالدان لا يخلوان من رسائل صغيرة ملوثة بالنوازع السلبية مثل انتحار الكاهن في البؤساء، وحرص الكونت على الانتقام في رواية كريستو الذي يستعيد حبيبته، فالنعيم في
الأدب الغربي هو الفوز بالأنثى والمال معا. وهي نهاية تحرص كل أفلام هوليود تقريبا عليها..
في فلم الحقود، أو "الذي لا يغفر"، الحائز على الأوسكار يدافع كلينت استود عن حرية العاهرات، وفي فلم كابوي آخر عنوانه "حدث ذات مرة في الغرب" نتابع قصة ابن (شارلز برونسون) ينتقم لأبيه، ينتهي الفلم بانتقام البطل، بينما صديقه (يلعب الدور جيسون روباردس) يداعب مؤخرة كلوديا كاردينالي، ويوصيها وصية الموت الأخيرة وهي أن تكون كريمة مع الزبائن، ثم يقصي بجراحه، فيحمله صديقه شارلز برنسون على حصانه، ويجره وراءه مع موسيقا مؤثرة.
فلم التايتانك فلم فيه تضحية صافية من أجل الحب، لا مشاحة في ذلك، لكن بطلة الفلم تختم الفلم برمي أثمن لؤلؤة في العالم في قاع البحر! وهنالك أفلام أكثر نبلا، مثل فلم "الشبح – ذا كوست" الذي يتبرع بطله بمبلغ مسروق من البنك للأيتام.
وهي قصة أيضا مبنية على خلفية مسيحية تقليدية أخلاقية، تؤمن بالروح والآخرة. لم أشر إلى فلم "ذا هيرو" أو البطل، الذي يمثل بطولته داستن هوفمان، فهو فلم "فاوستي" يضحي بالبطولة لصالح الصفقة، الانتهازية والأخلاقية في مثابة واحدة، إنه فلم خال من النساء والظعائن، ولا ينفعني كثير في أدلتي على قضيتي هنا.
سردت بسرعة بعضا من عيون الأدب والفن الغربي، والآن سأذكر بسرعة أكبر بطولات الأدب الجاهلي العربي، على أن انتقل في حلقة قادمة إلى البطل المشرك في صدر الإسلام.
لنتذكر أشعار عنترة التي يبدي فيها غيرته على جارته، و"أغض الطرف عن جارتي.. وصعلكة عروة بن الورد، الذي قال و"أقسم جسمي في جسوم كثيرة .. وحاتم الطائي الذي ضربت به الأمثال في الكرم (أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله..).
أما أخبار الخيانة والغدر، فنادرة في المرويات العربية القديمة، أحدها تلك القصة التي تروي حكاية إعرابي غدار طلب اختبار فرس من فارسها، ثم خطفها، فلحق به صاحبها، وهو يتوسل إليه ألا يذكر القصة حتى لا تموت المروءة بين العرب. سأذكر مثالا عن بطولة العربي.
الفارس هو: ربيعة بن مكدم، وكان قومه بنو فراس من كنانة أحد أشجع وأنجد أحياء العرب، حتى قيل إن الرجل منهم يعدل عشرة من غيرهم.
وكان جده جذل الطعان الكناني علقمة بن فراس من أشهر فرسان العرب، وكان ذا شعر وفخر. وقال علي بن أبي طالب لجيشه من أهل الكوفة في وقعة صفين كناية عن شجاعة بني فراس، وبلائهم وثباتهم الشديد في الحروب: "وددت والله أن لي بجميعكم، وأنتم مائة ألف، ثلاثمائة من بني فراس بن غنم، صرف الدينار بالدرهم!".
لا تعرف العرب قتيلا، ولا ميتا حمى ظعائن غير ربيع بن مكدم، وإنه يومئذ غلام له ذؤابة، فما زال واقفا على متن فرسه معتمدا على رمحه، يحمي بنات قومه، إلى أن صاروا في أمان و مات على فرسه، وما تقدم الخصوم عليه خوفا منه، وهو يقف في فم الوادي، فقال نبيشة وهو يجبن على الاقتراب منه: إنه لمائل العنق على رمحه، وما أظنه إلا قد مات؟ فرمى فرسه، فقمصت، وتحركت وزالت، فسقط عنها ربيعة ميتا، وفي رواية أخرى أرسلوا حصانا لإغراء فرسه، وفاتهم الظعن، وأمالوا على ربيعة أحجارا"
الظعينة هي المرأة المسافرة على هودج، يعني "كلوديا كاردينالي" أو "جوليا أرموند" أو "كيت وينسلت" أو الحسناء "صوفيا ميلز" بدور ايزولد..
ربيعة بن مكدم باللغة الفقهية مَحْرَمُ . علما أننا لا زلنا في العهد الجاهلي. الْمَحْرَمُ في اللغة المعاصرة هو "البودي غارد" الذي تقع الظعينة في حبه في القصة الغربية. وعندما يحميها، يأخذ أجرته، وأقل ما يأخذه منها هو قبلة أو لحسة، وغالبا ما يواقعها من غير مشروب سحري. المشروب السحري كان.. زمان.