نشرت مجلة "
لوبوان" الفرنسية، حوارا صحفيا مع
إريك دومينيك؛ المدير العام للمجلس الأعلى للتدريب والبحوث الاستراتيجية، نفى فيه أن يكون العالم على أعتاب
حرب عالمية ثالثة، ودعا من خلاله إلى الحذر في انتقاء المصطلحات التي تصف الوضع الدولي الحالي.
وأقر إريك في هذا الحوار، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن العالم يشهد توترات وأزمات خطرة ووقتية، في العديد من المناطق، لكن ذلك لا يعني أنه على شفا حرب عالمية ثالثة؛ على اعتبار أنها تستوجب استعداد عدد كبير من القوى الدولية لمواجهة بعضها بعضا، ما سيؤدي حتما إلى عواقب وخيمة على الشعوب وثرواتها.
وأشار التقرير إلى انعدام العوامل التي هيأت لاندلاع كل من الحربين العالميتين؛ اللتين انطلقتا من أوروبا جراء النزاعات الإقليمية، مفيدا بأن الوضع اليوم مختلف تماما عن الوضع آنذاك.
كما ذكر إريك للمجلة، ظروف اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي نشبت سنة 1914، ودامت لأربع سنوات تقريبا؛ حيث كانت السياسة العسكرية والمستبدة لإمبراطور ألمانيا، غيوم الثاني، بين سنتي 1888 و1914، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في أوروبا.
أما في ما يتعلق بالحرب العالمية الثانية، فنقلت لوبوان عن إريك؛ بأن صعود الألماني ادولف هتلر، الذي كان قد كشف بوضوح عن أهدافه في كتابه "كفاحي"، قاد أوروبا والعالم إلى مستنقع من التوترات الكبرى.
وتساءل المدير العام للمجلس الأعلى للتدريب والبحوث الإستراتيجية، في هذا السياق، عما إن كان قد بدر اليوم، من أي من القوى العظمى، أية تصريحات عدائية، وعما إن كنا قد شهدنا خطابا متشددا و"شرسا" من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو من إحدى دول الاتحاد الأوروبي، أو من القوى الدولية الأخرى؛ مثل الهند أو الصين؟
كما أكد إريك دومينيك للمجلة، أنه لا يسعى للتقليص من شأن العداوات والخصومات التي يشهدها العالم اليوم، غير أنه يشك في كونها قابلة للانفجار في أي لحظة، وبمنتهى السهولة، باعتبار أنها لا تفوق في خطورتها ما حصل في القرن الماضي، الأمر الذي يستوجب الامتناع عن اللجوء لمصطلحات رنانة ومثيرة للقلق، عند وصف الوضع الدولي الحالي؛ وأضاف بأن المرحلة الحالية لم تستوف، لحسن الحظ، مقومات اندلاع أزمة دولية واسعة.
وطمأن إريك أن سياسة الردع النووي لسنة 1945، أفضت إلى استحالة اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهما اللتان لم يسبق لهما أن تقاتلتا على أراضيهما، حتى أثناء الحرب الباردة؛ إذ لطالما قاما بتصدير مواجهاتهما العسكرية لإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما أرهق حلفاءهما المحليين.
كما أفاد إريك للمجلة، بأن أيا من هاتين القوتين لا تملك الآن فضاء للمواجهة العسكرية غير المباشرة، وأشار إلى الرؤيا التقليدية التي يتبناها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، والتي تعود إلى الحرب الباردة، وهو ما يفرض العودة لجغراسياسية قديمة، ترتكز على العلاقات العدائية بين الدول.
وفي السياق ذاته، صرح إريك لصحيفة لوبوان، بأنها المرة الأولى التي ترسل فيها روسيا قواتها العسكرية، للقتال في الشرق الأوسط، وتحديدا لدعم بشار الأسد، خاصة مع وجود الولايات المتحدة وبلدان التحالف من أجل التصدي لتنظيم الدولة، ما يخلق وضعا مثيرا، يسعى فيه كل طرف للوقوف على نقاط ضعف وقوة الآخر.
وقال إريك بأن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تقوم على التنافس والتعاون، على اعتبار أهمية الرهانات المطروحة، التي سيكون للفائز فيها وزن إقليمي يمكّنه من تحديد معالم الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، قالت المجلة بأن إريك لم يستبعد حصول منعرجات وتصعيدات، تعود للاختلاف حول مصير بشار الأسد ونظامه، مؤكدا على أن ذلك لا يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين.
ولفت لإمكانية المناورة التي انتهجها باراك أوباما، فبعد أن وضع جورج بوش الولايات المتحدة في قوقعة دبلوماسية، تمكن خلفه من إخراجها منها بعد خطبه التي ألقاها في براغ وفي القاهرة.
كما تساءل عما إن كان التغير الذي شهدته السياسات الخارجية الأمريكية إزاء إسرائيل والمملكة العربية السعودية، قد نجح في التأسيس لوجهات نظر جديدة، أم أن نتائجه ستكون قصيرة المدى.
وأكد إريك للمجلة على أنه بصرف النظر عما يحدث، فإن العديد من الأطراف ترجو استعادة الولايات المتحدة لقدراتها القيادية، التي اتضح أن الوضع الدولي الراهن "في أمس الحاجة إليها"، حسب تعبيره.
واعتبر إريك، المدير العام للمجلس الأعلى للتدريب والبحوث الإستراتيجية، أن تراجع أهمية دور الولايات المتحدة الأمريكية في الصراعات القائمة، بدا واضحا فيما يتعلق بقضية الأسلحة الكيميائية السورية، فقد سمحت أمريكا لنظام الأسد بأن يخرق خطا أحمر وضعته أمريكا، ما سهل لفلاديمير بوتين الرجوع بقوة على الساحة الدولية.