نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا أعده ريتشارد سبنسر، يقول فيه إن أبا محمد أصبح أكثر ثراء مما كان عليه عندما كان يعمل طبيبا في مدينة حلب، فبعد تحوله إلى تجارة تهريب أبناء بلده إلى
أوروبا، بات يحصل على أموال كثيرة. ففي هذا الشهر حصل على 100 ألف دولار أمريكي.
ويستدرك التقرير بأن المهمة ليست سهلة، حيث التقاه سبنسر في مقهى في إسطنبول في تركيا، ولم يستطع التحدث معه بسبب استمرار تلقيه المكالمات على ثلاثة هواتف نقالة.
وتنقل الصحيفة عن أبي محمد قوله إن عمله معروف، وإن النادلين في المقهى يعرفون من الذي يعمل بالتهريب إن سئلوا، فيما تنشغل الحافلات بنقل اللاجئين من محطة غير رسمية إلى ميناء أزمير ومنها إلى اليونان ثم إلى أوروبا.
ويقول سبنسر إن بعض المكالمات تأتي من زبائن، وأخرى من العاملين معه. ففي مكالمة أخبره أحدهم أن الشرطة اعترضت حافلة للاجئين، ويرد أبو محمد: "أخبرهم ألا يبقوا ولو ليلة واحدة في إسطنبول، سأعيدهم حالا". فيما تناشده عائلة أن يرسلها إلى اليونان، ويرد: "لن أفعل حتى يدفع أخوك"، في إشارة إلى أحد أفراد العائلة الذي وصل اليونان، ولكنه لم يدفع الأجرة ومقدارها 1100 دولار. وهناك مداهمات قامت بها الشرطة، وهو ما يحتاج إلى ألف دولار رشوة للتخلص منهم.
ويشير التقرير إلى أن هذه المصاعب تظل تافهة مقارنة بوضع اسمه على قائمة المطلوبين من الإنتربول. ويقول إنه طلب من جنرال يعرفه في الشرطة السورية أن يتأكد، وقد أكد له الأمر.
وتبين الصحيفة أنه في ذلك الوقت، كان يعمل من مرسين على الشاطئ الجنوبي الشرقي قرب الحدود مع
سوريا، وقريبا من خطوط العبارات مع لبنان، وكان يدير قاربا أكبر، ويرسل المهاجرين مباشرة إلى إيطاليا، ولكنه أغلق عملياته كلها هناك، فبعد أن دفع ديونه والأموال كلها التي أخذها من الزبائن، ترك مرسين مفلسا، وكان عليه البدء من جديد.
ويرى الكاتب أن الكارثة الحقيقية هي
الحرب، التي حولت أشخاصا عاديين، مثل أبي محمد، إلى مجرمين. وعندما دخل المقاتلون إلى مدينة حلب في نهاية تموز/ يوليو 2012، انتهى به الأمر مطاردا ومطلوبا من طرفي النزاع، فالنظام كان يلاحقه؛ لأنه عالج الجرحى من المقاتلين. فيما اعتبرته المعارضة مؤيدا للنظام، ولهذا قرر الهرب، وحجز مقعدا للسفر إلى أوروبا، وبدأ الرحلة إلى تركيا مع أقرباء له، وغرق القارب، وشاهد أما وأولادها يغرقون أمام عينيه، رغم محاولاته إنقاذهم، بحسب ما يقول.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أبا محمد استطاع هو وقريبيه السباحة، ونجوا بعد 11 ساعة في البحر. وحاول كثيرا في البداية ولم ينجح، لكنه أقام علاقات وشبكات اتصال مع المهربين والعاملين معهم، بحيث أصبح مفيدا في تركيا لمن يريد اللجوء. ويقول: "في البداية رفضت تلقي عمولات. ولكن كانت عندي عائلة، وأنا بحاجة إلى المال للعيش، وبعدها اكتشفت أنه عمل مربح". ثم تحول من تلقي عمولة إلى إنشاء عمله الخاص. ويقول: "لقد كانوا يثقون بي؛ لأنني طبيب".
وتفيد الصحيفة بأن أبا محمد كان يستخدم قواربه في مرسين، ويرسل على متنها المسافرين إلى إيطاليا، ولم يكن يستخدم القارب إلا مرة واحدة، حيث كان خفر السواحل الإيطاليون يتحفظون عليه. وكان أجر الرحلة يصل إلى خمسة آلاف دولار، وكان يستطيع بمبالغ كهذه تعويض ثمن القارب الذي يخسره.
ويذكر سبنسر أن أبا محمد كان في إسطنبول يعمل من خلال عصابات التهريب التركية التي تسيطر على العمليات. ويعمل لديه 15 شخصا يعثرون على الزبائن، ويرسلونهم إلى الشاطئ، مستدركا بأن عمل القوارب هو من شأن العصابات، التي يدفع لها 850 دولارا من 1100 دولار يتلقاها عن الشخص.
ويورد التقرير قوله إنه أرسل للبحر ما بين ثمانية آلاف إلى تسعة آلاف شخص إلى اليونان وإيطاليا خلال العامين الماضيين، دون أن يعرف واحد منهم.
وتكشف الصحيفة عن ربطه الموجة الجديدة من اللاجئين بقرار الحكومة البريطانية فتح حدودها في الشمال. ويقول إن تهريب اللاجئين عبر تركيا أصبح صعبا، رغم الرشاوى التي تدفع للشرطة التركية على الحدود كي تغض الطرف، مستدركا بأن اللاجئين يعرفون أنهم في حال وصولهم إلى اليونان فإنه يمكنهم الهرب إلى بلد غني. ويقول: "من السهل التهريب إلى اليونان، لأنها فتحت حدودها". ويرى أن هذا الأمر ينعكس على الأسعار "فهو يتلقى 1100 عن كل شخص يصل إلى اليونان، إلا أن الرحلة من هناك إلى ألمانيا، وهي المقصد المفضل، قد تكلف ألفي يورو، أما إلى النرويج والسويد فقد تصل إلى ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف يورو".
ويقول أبو محمد للصحيفة: "أريد أن أرسل رسالة للاتحاد الأوروبي، وفيها: سيصل
اللاجئون إلى بلادكم حتى لو أغلقتم الحدود كلها، وسيحفرون الأنفاق لو اقتضى الأمر، لماذا لا يرتبون نقل اللاجئين عبر الأمم المتحدة؟ دعوهم يدخلوا بطريقة مشروعة، ولماذا يجبرون الناس على المخاطرة بحياتهم، وأصبح الكثير من الناس طعاما للسمك؟".
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن الناس يرون الأمور بطريقة أخرى، وكذلك عمال الإغاثة، الذين يقولون إن مسار الحرب في سوريا جعلهم يفقدون الأمل بالعودة إلى الحياة الطبيعية. وأصبح الجميع يبحثون عن فرصة حياة، وفي النهاية يرى أبو محمد أن مستقبله في أوروبا.