نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريرا حول مشاركة
حزب الله في الحرب السورية؛ قالت فيه إن الحزب نجح في استقطاب عدد كبير من الشباب الشيعي
اللبناني، للقتال في
سوريا باسم الشهادة والدفاع عن الأماكن المقدسة، واستفاد أيضا من خوف
الشيعة من خطر تنظيم الدولة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الخوف من تنظيم الدولة ساهم في تعزيز موقع حزب الله داخل الطائفة الشيعية في لبنان، وسهل عليه أيضا استقطاب المقاتلين وإقناعهم بالذهاب إلى سوريا، للمشاركة في حرب تأخذ يوما بعد يوم المزيد من الأبعاد الطائفية.
وذكرت الصحيفة أن الزائر للضاحية الجنوبية سيلحظ كثرة صور قتلى الحزب، معلقة على جميع المباني وأعمدة الكهرباء وفي كل الشوارع، حيث باتت هذه الصور في كل مكان منذ دخول حزب الله للحرب في سوريا، حتى أصبحت الضاحية الجنوبية متحفا لقتلى "المقاومة".
وأضافت الصحيفة أن الضاحية الجنوبية التي يعيش فيها أكثر من 700 ألف شيعي؛ أصبحت الخزان الذي يزود حزب الله بالمقاتلين، ومن بينهم عباس البالغ من العمر 24 سنة، الذي يعيش في حارة حريك. وقد شهدت هذه الحارة خلال الفترة الماضية عودة ثمانية من أبنائها، في توابيت ملفوفة بالرايات الصفراء للحزب.
وقالت الصحيفة إن عباس مثل غيره في الضاحية، لا يظهر مشاعر الخوف من الحرب، حيث يقول: "لقد تعلمنا ألا نخاف من الموت، أنا أدعو الله ليلا نهارا أن يتقبلني مع الشهداء، لكي يغفر لي كل ذنوبي، وأتزوج بالحور العين اللاتي يتجاوز جمالهن الخيال البشري".
وذكرت الصحيفة أن هذا الشاب عباس؛ مر عبر المسار المعتاد لأغلب مقاتلي الحزب، حيث انضم وهو في سن التاسعة إلى كشافة المهدي، وهي جمعية تضم حوالي 70 ألف من أبناء الشيعة، وتمثل أحد الطرق لتحضير مقاتلي المستقبل.
وبعد أن توقف عن الدراسة في المستوى الثانوي وانضم لدورة تدريبية في الميكانيك، تخصص عباس في تجارة قطع الغيار. وفي سنة 2007، بعد سنة واحدة من الحرب الإسرائيلية على لبنان، تم اختياره وهو في سن السابعة عشر، للمشاركة في تدريبات عسكرية في الحزب.
ونقلت الصحيفة عن عباس قوله: "لقد قررت الانضمام للحزب لمقاومة إسرائيل، وفي سوريا أنا أيضا أحارب من أجل هذا الهدف. إن الحرب ضد نظام الأسد هدفها الوحيد هو كسر المقاومة، والكيان الصهيوني بعد فشله سنة 2006 في ذلك، يحاول تحقيق أهدافه بطرق أخرى عبر قطع خطوط الإمداد بين حزب الله وإيران ثم توجيه ضربة قاضية للحزب".
لكن الصحيفة تشير إلى أن كلام عباس لا يكشف كامل الحقيقة، حيث أنه بالإضافة إلى هذه الاعتبارات الجيوسياسية، فإن الحرب تأخذ أيضا بعدا دينيا، وهو الأمر الذي يدفع الكثير من الشباب الشيعي إلى الدخول في المستنقع السوري، حيث أن الخوف من تدمير بعض الأماكن المقدسة لدى الشيعة في سوريا، وحادثة اختطاف بعض الحجاج الشيعة في حلب، وتعدد الانفجارات التي استهدفت مناطق شيعية في لبنان في عامي 2013 و2014؛ سهلت على حزب الله إعطاء صبغة طائفية لهذه الحرب.
وأضافت الصحيفة أنه بسبب تزايد حضور المجموعات المسلحة السنية في سوريا، لم يعد حزب الله يجد أي صعوبة في استقطاب المزيد من الشباب، لمواصلة الحرب في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن وضاح شرارة، وهو مؤلف كتاب "دولة حزب الله"، قوله إن "مقاتلي الحزب الذين يتم إرسالهم إلى الأراضي السورية تتراوح أعمارهم بين 20 و25 سنة، أما القادة العسكريون الأكبر سنا والأكثر خبرة؛ فإنهم يقبعون في الجنوب اللبناني، قرب الحدود الإسرائيلية".
وبحسب الصحيفة، فإنه خلال سنتين ونصف من التدخل في سوريا، سقط حوالي ألف مقاتل من هذه الميلشيا الشيعية، من بين ثمانية أو عشرة آلاف مقاتل في صفوف حزب الله، نصفهم يتواجدون في سوريا.
ولاحظت الصحيفة أنه رغم هذا العدد المرتفع من القتلى، فإن المجتمع الشيعي في لبنان لا يزال يقف وراء الحزب، حيث أظهر استطلاع للرأي نشر مؤخرا من قبل جمعية "هيا بنا" التي أسسها لقمان سليم، وهو ناشط شيعي معارض لحزب الله، أن 78 في المئة من الشيعة يساندون تدخل حزب الله في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن الباحثة كندة شعيب، من معهد دراسات وأبحاث العالم العربي والإسلامي قولها: "إن العلاقة بين حزب الله والطائفة الشيعية اكتسبت صلابة أكبر منذ ظهور تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وخاصة في المناطق الريفية في لبنان، ذلك أن الخوف يعد عاملا مهما في التأثير على مشاعر الناس وعلى قراراتهم".
وأشارت الصحيفة إلى أن الاستراتيجية الإعلامية التي يعتمدها حزب الله لاستقطاب الشباب الشيعي؛ تعتمد خاصة على تذكيرهم بالخطر القائم الذي تمثله المعارضة السورية وتنظيم الدولة على الأماكن المقدسة، على غرار مقام السيدة زينب الواقع ضواحي دمشق.
فرغم أن الخطاب الرسمي للحزب لا يركز على البعد الديني لهذه الحرب، فإن الخطاب الشعبي يرتكز دائما على أفكار دينية، ويؤكد على أن هذه الحرب الدائرة في سوريا هي إحدى علامات ظهور الإمام المهدي، وهو الإمام الثاني عشر الغائب حسب المعتقدات الشيعية.