تتزايد مطالبات السكان
السنة في
العراق بإنشاء أقاليم سنية، على غرار إقليم كردستان، في ست محافظات عراقية، كانت رفضت الخضوع لحكم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي.
وتتنامى الدعوات لإنشاء
الأقاليم السنية، مع تصاعد الشعور بين السنة بالتهميش منذ الغزو الأمريكي للعراق، فيما تعيش أغلبية السكان السنة بين مطرقة التهجير وضياع الحقوق، وسندان القتل والاعتقال بتهمة الإرهاب على يد المليشيات الشيعية.
ويرى البعض أن مسألة الأقاليم تساعد المناطق السنية لكي تزدهر اقتصاديا، وتستقل بإدارة الملف الأمني بعيدا عن سطوة أجهزة الحكومة المركزية، بعد إخراج مقاتلي تنظيم الدولة، بينما يرى آخرون أن من يعرقل إقامة المشروع بالأساس هي جهات تقف ضد السنة.
ويقول المواطن أبو أحمد الفلاحي لـ"عربي21": "أعتقد أن أفضل سبيل لانتشالنا من واقعنا المتردي، وإعادتنا إلى ديارنا مرفوعي الرأس، هو تحويل المحافظات السنية إلى نظام الأقاليم، يحكم فيها السنة أنفسهم بأنفسهم تحت راية العراق الموحد، بدلا عن السير في طريق الانفصال الذي أصبح تحقيقه قاب قوسين أو أدنى"، حسب قوله.
ويرى الفلاحي، وهو نازح من محافظة الأنبار، أن "مشروع الأقاليم ونظام
الفيدرالية الحل الأنجع في الوقت الراهن، في ظل التشرذم الطائفي الذي يشهده العراق، والمصحوب بتشرذم سياسي وإخفاق الحكومي بقيادة حيدر العبادي في حسم المعارك، وتخبط المحاصصة الطائفية في إدارة الدولة"، مع الفشل في "استيعاب السنة، ودمجهم في الأجهزة الأمنية الحساسة".
ومن جانبه، يقول أبو عمر الدليمي، وهو ضابط متقاعد خدم في الجيش العراقي السابق برتبة عميد ركن: "كنت أنظر إلى فكرة إنشاء الأقاليم في العراق باعتبارها من المحرمات، وكفر بالتعايش السلمي بين العراقيين، وأرفض الولوج فيها، ومن كان يتطرق لهذا الحديث والترويج له أطالبه بالكف والخوض في حديث غيره؛ لأني أرى العراقيين متعايشين مذهبيا، وهناك مصاهرة بين السنة والشيعة، وفيما بينهم أكبر عبر السنوات الماضية، بغضّ النظر عن الاختلافات والفوارق المذهبية".
ويتابع: "لكن هذه الرؤية اختلفت تماما عن السابق بعد المعاملة السيئة التي عوملنا بها من أبناء البلد الواحد، كما كنا نُطلق عليهم، ونتفاخر بهذه التسمية قبل هذه الأحداث والأشهر العجاف"، حسب قوله.
ويشير الدليمي إلى أنه "على جسر بزيبز منعنا من دخول العاصمة بغداد إلا بكفيل"، مضيفا: "أحسسنا بفارق كبير، وبقينا أياما على ذلك الجسر بلا مأوى، نفترش الأرض ونلتحف السماء جوعا وإهانة، وتعاملوا معنا معاملة المواطن الغريب، أدركت حينها أننا لم نعد أبناء الوطن، ونحن بحاجة إلى وطن آخر يجمع شتاتنا ويحفظ كرامتنا"، وفق تعبيره.
وطالب الدليمي "كل القوى والجهات السنية الفاعلة، دينية أم عشائرية كانت، والمثقفين، وخاصة أولئك الذين يطلق عليهم اسم السياسيين السنة المشاركين في العملية السياسية، بالضغط على الحكومة لإنشاء قوة عسكرية، مثل الحرس الوطني، أو حرس الأقاليم، خطوة أولى هدفها طرد مقاتلي الدولة الإسلامية، والخطوة الثانية المطالبة بالفيدرالية كما نص الدستور العراقي الذي كتبه (الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر)".
وأضاف: "أما في حال استمرار رفض مبدأ إنشاء الأقاليم، وعدم التعويل عليه لاستقرار البلد، فالصراع الطائفي والسياسي والقتال مع تنظيم الدولة سيطول لفترة أطول، دون أن تكون هناك ملامح لبناء دولة مدنية قائمة على المواطنة والمساواة بين قوميات وطوائف المجتمع العراقي"، محذرا من أن "مستقبل هذا التعايش سيمر مع السنوات القادمة بمنعطفات خطيرة جدا قد لا يمكن تلافيها، وهو المطلوب حاليا لدى بعض السياسيين الشيعة وإيران لإنهاء أي تواجد عربي سني"، بحسب رأي أبي عمر.
ويسمح الدستور العراقي الذي أقر عام 2005، بتشكيل المحافظات العراقية أقاليم وفق المادة التاسعة عشرة بعد المئة، ويمنحها قدرا كبيرا من الاستقلال المالي والإداري والأمني عن السلطة المركزية، كما يجيز الدستور لمحافظتين أو أكثر حرية إنشاء إقليم مشترك.
من جهته، يرى مجيد موفق، الذي يعمل أستاذا مساعدا في كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة الأنبار، وهو الآن يقطن مع أفراد أسرته في بغداد، أنّ فكرة الخوض في إنشاء الأقاليم من عدمه لم يعد بيد السياسيين الشيعة، فالأمر بالنسبة للسنة أصبح أمرا واقعا لا نقاش فيه البتة، وإما الحرب الأهلية والقارب يغرق بالكل، أو استقلال السُنة بدولة منفصلة ذات طابع مدني".
وأشار مجيد موفق، في حديث لـ"عربي21"، إلى "القمع والتهميش والإقصاء وتحميل السنة وزر نظام صدام حسين؛ ليكون مبررا لقطع زرق آلاف البعثيين ممن يحملون رتبا عسكرية رفيعة وشهادات دراسية عليا، وسيطرة الأحزاب الدينية على كل الوزارات العراقية، وأصبح شغلهم الوحيد إقصاء السنة، وعدم قبولهم بالآخر، واعتبارهم موطنين من الدرجة العاشرة"، ورأى أن كل ذلك دفع بالكثير من السنة للمطالبة بالأقاليم حتى لو أدى ذلك للانفصال.
وأكد أن "مشروع الأقاليم قادم لا محالة، ولا يستطع أي سياسي أو أي شخص مهما كانت قدرته على الإقناع أن يحرف ملايين السُنة عن هدفهم في حكم أنفسهم بأنفسهم"، وفق تعبيره.