تسبب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 بتدمير أجزاء كبيرة من المخيمات الفلسطينية واستشهاد أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين..
ومع إنهاء وجود
منظمة التحرير الفلسطينية في
لبنان، وفقا للاتفاق المبرم مع مبعوث
الأمم المتحدة فيليب حبيب والمنظمة، من تاريخ 29 آب/ أغسطس 1982 ولغاية الأول من أيلول/سبتمبر 1982، كان قد غادر الآلاف من الفدائيين الفلسطينيين وعائلاتهم لبنان عبر البواخر إلى المنافي في تونس واليمن والجزائر وغيرها من الدول، في رحلة لجوء جديدة، على أن تشرف الولايات المتحدة الأمريكية نفسها على حماية اللاجئين في المخيمات، وتبعتها القوات الإيطالية ثم الفرنسية.
إلا أن تلك الدول الثلاثة اتخذت قرارا مفاجئا، ففي 10 أيلول/ سبتمبر 1982، غادرت القوات الأمريكية بيروت، ثم تبعتها القوات الإيطالية يومي 11 و 12 أيلول/ سبتمبر 1982، ثم غادرت القوات الفرنسية يوم 14 من الشهر ذاته، لتبدأ مجزرة
صبرا وشاتيلا ظهر الأربعاء 15 أيضا من الشهر ذاته.
لكن السؤال، أين كانت وكالة "
الأونروا" في ظل هذه المعطيات؟ وماذا كان موقفها من تدمير المخيمات أو المذبحة المروعة التي ذهب ضحيتها أكثر من أربعة آلاف شهيد من المدنيين معظمهم من الفلسطينيين من أبناء مخيم شاتيلا، ولا يزال 484 شخصا في عداد المخطوفين أو المفقودين؟!
لم يسجل الكتَّاب والمؤرخون دورا بارزا للوكالة، سواء باتخاذ أي موقف إدانة أو استنكار للمجزرة، أو توثيق لما جرى، أو إن كانت الوكالة قد طلبت انعقاد لقاء طارئ وعاجل للجمعية العامة أو لمجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات المناسبة..
ولم تُظهِر أي من الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام ما يدل على أن كان هناك دور ما للوكالة سواء في نقل جثث الشهداء أو التخفيف من روع الأهالي أو أي خدمات أخرى يمكن القيام فيها!
ربما يكون أبرز من وثق للمجزرة المؤرِخة الدكتورة بيان نويهض الحوت في كتابها "صبرا وشاتيلا 1982" والكاتب والصحفي الفرنسي آلان منراغ، مؤلف كتاب "أسرار الحرب على لبنان"، والكاتب الفلسطيني ابن مخيم شاتيلا، محمود كلَّم، في كتابه "مخيم شاتيلا الجراح والكفاح"، ولجنة ماك برايد المستقلة للتحقيق في خروقات "إسرائيل" للقانون الدولي أثناء غزوها للبنان في عام 1982.
وتشكلت من رجال قانون بارزين من أمريكا (ريشارد فولك)، وبريطانيا (براين بيركوسون)، وفرنسا (جيرو دولابرادال)، وألمانيا (ستيفن وايلد)، وإيرلندا برئاسة المحامي الإيرلندي شون ماك برايد، التي سميت اللجنة باسمه، وقد أدانت الاحتلال الإسرائيلي بالتخطيط والتحضير للمذبحة، وأن الاحتلال قد لعب دورا في تسهيل عمليات القتل من الناحية الفعلية، وبالتالي يتحمل المسؤولية الأولى عن المذبحة..
إلا أن أي من تلك المصادر الهامة لم يأت على ذكر أي دور مؤثر لوكالة "الأونروا" خلال المرحلة التي سبقت أو لحقت تاريخ المجزرة، سواء بتقديم المساعدات الطارئة أو إطلاق نداءات الاستغاثة أو توفير الحماية من خلال تقديم ما يحتاجه اللاجئون على مستوى الغذاء والدواء والكساء والاحتياجات الضرورية، أو الحماية على مستوى رفع مظلمتهم للعالم.
ويبدو بأن دور وكالة "الأونروا" كان مُغيَّبا وعن عيْن لصالح استحقاقات سياسية جديدة عوانها المزيد من تهجير الفلسطينيين بعد أن تخلت المنظومة الأممية عنهم، وشطب المزيد من المخيمات المخيم جزء من مشروع استراتيجي صهيوني لشطب حق العودة!
مجزرة صبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر التي ارتُكِبت وترتكب بحق اللاجئين الفلسطينيين لا سيما في مخيمات غزة المحتلة والمحاصرة، والضفة المحتلة، وسوريا ولبنان.. يفرض وبشكل قاطع توسيع سياسة عمل "الأونروا" ليشمل الحماية الجسدية للاجئين على وجه الخصوص!
يشكل انعقاد الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري فرصة يجب استثمارها لصالح طلب حماية اللاجئين، وهذا يحتاج إلى حراك سياسي ودبلوماسي وقانوني عاجل تقوده منظمة التحرير الفلسطينية، العضو المراقب في الأمم المتحدة!