حزم الحجاج
الفلسطينيون بالضفة الغربية، حقائبهم قبل أيام، قاصدين البيت الحرام في مكة المكرمة، لأداء فريضة
الحج، وسط أجواء من الفرح تملأ قلوبهم، وقد ودّعوا أحبتهم، وانطلقوا بحافلات باتجاه جسر اللمبي، الفاصل بين الضفة والأردن، حيث نقطة العبور الفلسطينية، ثم
الإسرائيلية، فالأردنية.
وما إن وصل الحجاج إلى النقطة الإسرائيلية، حتى عبروا جميعا، لكن النائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) عن حركة حماس، ياسر منصور، اضطر للانتظار هو وزوجته، بعد أن حُجز جواز سفره، ليتم فحصه أمنيا، كونه أسيرا محررا، ونائبا عن "حماس".
دقات قلب متسارعة، ولحظات انتظار مرّت وكأنها الدّهر، عاشها منصور وزوجته في قاعة الانتظار، قبل أن يخرج عليه موظف إسرائيلي، حاملاً بيده قرار
منعه من السفر لأداء فريضة الحج بأمر من جهاز مخابرات بلاده، فيما سُمح لزوجته بالسفر وحدها.
"كانت لحظة صعبة جدا، عشتها أنا وزوجتي، فطالما دعونا الله أن يمكننا من السفر للحج سوية، لكن لا شيء مستبعدا أو مستهجنا من الاحتلال، فإسرائيل هي أبعد ما يكون عن حقوق الإنسان بالتنقل والسفر، حتى لو كان في سبيل أداء شعائر دينية"، كما يقول منصور.
قرار المنع من السفر ليس بالأمر الجديد على النائب الفلسطيني، فالمخابرات الإسرائيلية تمنعه من السفر منذ نحو عشرين عاما، بحجة أنه "يشكل خطرا على أمن إسرائيل"، لكنه على الرغم من ذلك، فقد بقي متمسكا بأمل السماح له بالسفر لأداء الحج.
ويضيف منصور: "حاولت السفر قبل ثلاثة شهور لأداء العمرة، وتم منعي حينها أيضا، لكني لم أيأس، أخبرت الجانب الإسرائيلي عدة مرات أني مستعد للتوقيع على تعهد بأن أذهب لأداء الحج فقط وأعود، لكنهم لم يوافقوا أبدا".
وفي محاولات حثيثة ليتمكن من السفر، تواصل منصور مع محامين ومؤسسات حقوقية، لإيجاد حل لقضية منعه من السفر، إلا أنه يصطدم بصخرة المنع، كونه أسيرا محررا أمضى ما يقرب من عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، وتعتبره تل أبيب "خطرا على أمنها"، بحسب ادعاء جهاز مخابراتها.
مسلسل المنع من السفر لأداء مناسك الحج لا يقتصر على الرجال أو الأسرى المحررين، بل إنه يطال أفراد أسرهم، حتى من النساء.
فللمرة الثانية، تُحرم حسنية حسني أبو عون، زوجة القيادي بحركة حماس، نزيه أبو عون، من جنين (شمال الضفة الغربية) من السفر لأداء فريضة الحج، تحت ذات التهمة التي تتذرع بها المخابرات الإسرائيلية دائما، أنه "خطر على أمن إسرائيل".
وعلى الرغم من توكيلها لمحامٍ خاص، في سبيل استصدار تصريح لها بالسفر لأداء الحج، فإن المخابرات الإسرائيلية تُصر على موقفها من منعها من السفر، دون وضع سقف زمني للمنع، بحسب قولها.
وتضيف أبو عون: "مُنعت للمرة الأولى من الحج قبل عامين، فبعد أن وصلت لنقطة العبور الإسرائيلية باتجاه الأردن، حُجز جواز سفري، وأبلغوني بعد فترة من الانتظار أنني ممنوعة من السفر، حيث كانت صدمة قاسية جدا".
وتتابع: "أمنيتي ورغبتي الجامحة لأداء الحج لم توقفها قرارات الاحتلال، وكّلت محاميا خاصا لمتابعة قضية منعي من السفر، علّني أتمكن من تحقيق أمنيتي هذا العام، لكن وقبل موعد السفر بيومين، جاء القرار مرة أخرى بالرفض والمنع الأمني".
بعد تنهيدة طويلة، وعيون اغرورقت بدمعات حزينة، استطردت أبو عون قائلة: "على الرغم من أنني لم أذهب وأحزم حقائبي هذه المرة، فإنني كنت مستعدة، وهيأت نفسي للسفر.. لحظة صعبة جدا وقاسية عندما يشعر الإنسان بالظلم، وبأنه ممنوع من الذهاب لأداء فريضة الحج التي يتمناها كل مسلم".
"أشعر أن روحي تحلق الآن في مكة، وداخل الحرم. كلما أنظر لصور الحجاج عبر التلفاز تخنقني العبرات، وأشعر بضيق وغصّة في قلبي، لكني أدعو الله أن يكتب لي أجر الحج على نيتي".
وتشير هذه السيدة إلى أن السلطات الإسرائيلية تمنع كل أفراد أسرتها من السفر، كما أن ضابطا إسرائيليا أبلغ زوجها في إحدى المرات بأنه ممنوع من السفر لأي سبب كان، حتى لو كان ذلك في سبيل العلاج.
وتضيف: "ابنتي وزوجها حاولا السفر عدة مرات لعلاج طفلهما المصاب بشلل نصفي بالخارج، لكن إسرائيل تمنعهم من السفر".
وتمنع إسرائيل الكثير من الفلسطينيين من السفر لأداء الحج أو للعمرة أو العلاج أو الدراسة أو العمل بالخارج، بحجة أنهم يشكلون خطرا على أمنها.