نشرت مجلة "ذي إيكونومست" البريطانية مقالا حول العلاقة بين سياسات إنتاج
النفط في
السعودية، وانخفاض الأسعار العالمية، ناقشت فيه الفرضيات المحتملة حول تفاعل المملكة وبقية الدول المنتجة مع الهبوط الحاد في أسعار النفط.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هناك أوقاتا يكون فيها كل زعيم مضطرا للتركيز على حماية مصالحه والحفاظ على مناطق نفوذه. وقد أمضت السعودية الأشهر التسعة الماضية وهي تحاول الحفاظ على نصيبها من سوق النفط العالمية، عبر رفع إنتاجها من النفط الخام إلى مستويات قياسية، وهو ما أزعج شركاءها الأقل إنتاجا في منظمة الدول المصدرة للنفط
الأوبك.
واعتبر التقرير أن هذه السياسة تبدو مؤلمة ومضرة للمملكة، خاصة بعد هبوط أسعار النفط العالمية إلى ما دون 45 دولارا للبرميل في 24 آب/ أغسطس، وهو هبوط غير مسبوق خلال السنوات الست الماضية.
وقالت المجلة إن البعض يعتقدون أن المحاولات السعودية لكسب المعركة ضد الشركات الأمريكية للتنقيب عن النفط "حرب خاسرة وضرب من الجنون"، ولكن الهدف الحقيقي للمملكة من هذه السياسة أكثر قربا من ذلك، وهو يتمثل في محاصرة خصومها الشيعة في
إيران والعراق.
وذكرت المجلة أن إيران، العضو في منظمة أوبيك، عبرت في الثالت والعشرين من آب/ أغسطس عن قلقها من الوضع الحالي، وقالت إنها ترحب بعقد اجتماع طارئ للدول المنتجة للبحث في سبل رفع الأسعار، وهو الموقف نفسه الذي عبرت عنه الجزائر.
ولكن بعد يومين، كشف وزير النفط الإيراني بيجان زنغنه عن خطط سيتم تنفيذها بعد رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، تهدف إلى زيادة قدرها مليون برميل في الإنتاج اليومي، لاستعادة نصيبها من السوق العالمي.
ولاحظت المجلة أن إيران، باعتراف وزير النفط، لم تقم خلال السنوات الماضية بأية استثمارات في تطوير بنيتها التحتية النفطية، ما يطرح تساؤلات حول قدرتها على رفع إنتاجها بهذا القدر.
وذكرت المجلة أن العراق أيضا يسعى جاهدا لرفع إنتاجه للتعويض عن الخسائر التي لحقته خلال سنوات من الحرب والعنف الطائفي، حيث تؤكد الوكالة الدولية للطاقة؛ أن الإنتاج اليومي العراقي من النفط شهد ارتفاعا بأكثر من 740 ألف برميل خلال السنة الحالية، وهي نسبة زيادة تفوق زيادة المملكة العربية السعودية.
وبحسب المجلة، فإن المملكة يمكن أن تتفاعل بعدة طرق مع الوضع الحالي، إذ يمكنها أن تتجاهل نداءات شركائها في الأوبك، بخصوص تنسيق خفض جماعي للإنتاج، ويمكنها أن تضع اللوم على الاقتصاد الصيني المتعثر وتعلن عن نيتها مراجعة سياستها النفطية، أو يمكنها عقد اتفاق جريء ومفاجئ مع العراق وإيران لتحديد الإنتاج حسب نظام الحصص.
وذكرت المجلة أن العديد من المراقبين يستبعدون هذه الفرضية الثالثة؛ لأن العراق وإيران يعتقدان بأن السعودية استولت على حصتهما في الإنتاج العالمي خلال السنوات التي تعثر فيها إنتاجهما النفطي، كما أنهما يشعران بأن المملكة قادرة على خوض حرب أسعار معهما؛ لأن كلفة إنتاجها للنفط تعد منخفضة نسبيا.
كما أن الصراع على زعامة منطقة الشرق الأوسط بين السعودية السنية وإيران الشيعية قد يعرقل أي اتفاق محتمل، رغم أن مراقبين آخرين يؤكدون أنه عندما يتعلق الأمر بسياسات أوبك وبالعائدات النفطية، فإن هذه الحساسيات يمكن أن تختفي من أجل تحقيق المصالح المشتركة.
ولاحظت المجلة أن الصدمات المالية التي حدثت في الصين مؤخرا يمكن أن تمنح المملكة ذريعة، إن هي رغبت في تغيير مجرى الأحداث، حيث نقلت عن بول ستيفنز، من معهد شاثام هاوس في لندن، أن السعودية يمكنها أن تدعي أن السعر المنخفض للنفط هو نتيجة لانخفاض الطلب العالمي وليس بسبب فائض الإنتاج. كما أن المملكة على الأرجح ستكون عنيدة ولن ترضى بتحمل العبء بمفردها، إذ إنها بين سنتي 1980 و1985 خفضت إنتاجها من 10 ملايين برميل يوميا إلى أقل من 2.5 مليون برميل، ورغم ذلك واصلت الأسعار هبوطها، وقد كان ذلك درسا لا يمكن أن ينساه صناع القرار في المملكة.
ونقلت المجلة عن بسام فتوح، من معهد أوكسفورد لدراسات
الطاقة، أن تنسيق خفض جماعي للإنتاج ليس أمرا سهلا، حتى لو كان ذلك تحت مظلة أوبك، إذ إنه عند هبوط الأسعار تكون الدول الأكثر حاجة للعائدات النفطية مضطرة لاعتماد أساليب الخداع وتصدير النفط خلسة، إلى أن تنزل الأسعار إلى مستويات قياسية تجعلها في النهاية مضطرة لخفض الإنتاج.
ورغم أن الإنفاق العام في السعودية تضاعف ثلاث مرات خلال العشرية الأخيرة، ما جعل الموازنة السعودية تحتاج لأن تكون أسعار النفط فوق حاجز المائة دولار للبرميل لتغطية العجز في الموازنة، فإن السعودية لديها موارد أخرى من الاستثمار الخارجي تجعلها غير مضطرة لاتخاذ قرارات استعجالية.
ولاحظت المجلة أن الانخفاض الحاد للأسعار خلال هذه السنة أدى إلى تراجع الإنتاج في مناطق أخرى تكون فيها كلفة الاستخراج مرتفعة، مثل البرازيل وكندا، كما أن هذا الهبوط يمكن أن يضر بالإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، رغم أن تقنيات الضخ والتنقيب الجديدة شهدت انخفاضا كبيرا في الكلفة.
وفي الختام، نقلت المجلة عن بول ستيفنز "أن هذه هي المرة الأولى منذ سنوات العشرينيات التي يتم فيها ترك أسعار النفط لتشق طريقها نحو القاع بشكل حر. ورغم أنه لا أحد يعلم أين يكمن القاع، فإن المملكة ستواصل اتباع سياسات تجد نفسها مجبرة عليها حتى لو كانت مؤلمة".