استطاع
تنظيم الدولة على مدار السنتين الماضيتين أن يستقطب قرابة ثلاثة آلاف مقاتل مغاربي للقتال في صفوفه، لكنه من بين هذا العدد الكبير لم يخرج من
الجزائر سوى 63 شخصا بحسب تصريحات رسمية.
هذا الإعراض الجزائري عن الانضمام إلى تنظيم الدولة، تعزوه
الباحثة دالية غانم في دراسة لها نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى ثلاثة أسباب، متأثرة بعدة عوامل، منها: الخطاب العام الجزائري، والدائرة الدينية الجزائرية وسياسات الدولة نحوها، ومستوى الأمن في البلاد.
السبب الأوّل بحسب غانم هو: "الجرح الغائر للعشرية السوداء، تلك السنوات العشر التي قتل خلالها 150 ألف شخص، واختفى 7 آلاف آخرون، وذلك بعد إلغاء الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجولة الأولى، ثم ولادة جماعات جهادية ساهمت في حرب أهلية، ما جعل التوق إلى الأمن والاستقرار بعد تلك المرحلة أمرا ملحا".
وتضيف أنه "مع اندلاع نزاعات في بلدان مجاورة، فالدولة الجزائرية عملت على آثار الصدمة الشعبية من أعمال العنف وعلى الخوف من اللّا استقرار كي ترّكز على ضرورة أن يسود الأمن التام في الجزائر".
وأما السبب الثاني فهو "صعود حركة الدعوة السلفية، أو ما يُعرف بالسلفية العلمية التي حلّت بديلا عن الجهاد والعمل السياسي".
وتوضح غانم أنه "رغم وجود الدعوة السلفية منذ عشرينيات القرن الماضي، فإنها حظيت بدعم كبير منذ نهاية الحرب الأهلية، خاصة توظيف أعضائها في الجامعات والمساجد. ومن أبرز وجوهها اليوم هناك علي فركوس، وعبد الغني عوسات، ومحمد تشلابي. ومن أسباب تناميها خيبات الأمل من الأحزاب الإسلامية والواقع السياسي عموما، كما أنها شكّلت حضنا للكثير من المتعاطفين سابقا مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
ورأت الباحثة في كارنيغي أن ثالث أسباب إعراض الجزائرين على القتال مع تنظيم الدولة "هو الصرامة الأمنية، فرغم بعض الهجمات الجهادية المتفرّقة، فإن قوات الأمن الجزائرية تمتلك قدرات عالية، إذ تصل أعدادها إلى 209 آلاف عنصر (المغرب بحسب الدراسة 46 ألفا)، يتمتعون بحوافز مالية مهمة، ويدعمهم الجيش الوطني وجهاز المخابرات التابع له. وبدوره، يستفيد هذا الجيش البالغ عدد أفراده 512 ألفًا، من تدريب متطوّر وخبرات كبيرة في مكافحة الإرهاب، وقد حقق نجاحًا نسبيًا في غلق الحدود أمام المقاتلين القادمين من الخارج".
غير أن قلّة أعداد المقاتلين الجزائريين في تنظيم الدولة، لا تعني أن الأوضاع بالجزائر هادئة تمامًا، بحسب غانم، إذ تقول إن "انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب بين صفوف الأجهزة الأمنية يشجع على انتهاك حقوق الإنسان، كما أن غياب التجديد الجيلي على المستوى السياسي يجعل المسؤولين أنفسهم في السلطة منذ عقد الستينيات، زيادة على معاناة الجزائرمن مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية، تلقي بظلالها على الشباب، منها البطالة (10.6 في المئة)، وأزمة السكن، وانخفاض معدلات الأجور، وسوء الظروف المعيشية".