تتعالى أنات وصرخات الصحفيين والإعلاميين
المصريين مع تهاوي وتعثر مؤسساتهم أمام أعينهم بسبب العثر المالي الشديد الذي تمر به هذه المؤسسات، والذي دفعها للاستغناء عن أعداد كبيرة منهم، وتقليص باقات قنواتها التي شهدت توسعات كبيرة خلال الفترة التالية لثورة 25 يناير 2011 وحتى وقوع انقلاب الثالث من يوليو 2013.
الصرخات لم تتوقف على مقالات تطفح الآن على صفحات هذه الصحف أو أحاديث تليفزيونية، إنما تجاوزت ذلك إلى إضرابات عن العمل، وإعتصامات بنقابة الصحفيين طلبا لتدخلها لوقف عمليات الفصل وتدخلها لصرف الرواتب المتوقفة أو المتأخرة.
هذا هو حال
الصحافة المصرية اليوم بعد 3 سنوات من الازدهار غير المسبوق في أعقاب ثورة يناير، التي فتحت باب الحرية واسعا أمامها للتوسع والتنوع والإبداع، الذي وصل إلى الانفلات، ثم جاء الانقلاب بسياسة الصوت الواحد فقتل التنوع والتعدد والتطوير، ومن ثم وجدت هذه الصحافة وتلك القنوات صدودا من المشاهدين والقراء، وبالتالي من المعلنين الذين لم يعد لديهم ما يعلنون عنه أصلا بسبب حالة الانكماش الاقتصادي وتوقف الاستثمارات.
كان لوسائل الإعلام المصرية وخاصة تلك المملوكة لرجال الأعمال الدور الأكبر في الثورة المضادة التي أطاحت بثورة يناير ومكتسباتها، ولم يدرك قادة الإعلام أن فعلتهم الشنيعة بحق الثورة لن تصيب الإخوان أو غيرهم من قوى ثورة يناير، بل إنها ستقتلهم هم أنفسهم، وستجعلهم يحفرون قبورهم بايديهم، فهذه الثورة المضادة التي قادوها أو شاركوا فيها أطاحت بأهم شعارات ومكتسبات الثورة وهي الحرية، التي دونها لا وجود لصحافة حقيقية ولا لإعلام جماهيري، ورغم أننا لم نبخل في التنبيه من خطورة دعم الثورة المضادة وانقلابها العسكري واستمرار دعمه لتثبيت أركانه، ومن خطورة ذلك على الصحافة والعاملين فيها، إلا أن أباطرة الصحافة الذين يتقاضون رواتب بالملايين ثمنا لتشويههم للثورة وضرب رجالاتها استمروا في غيهم، دعما لحكم العسكر، وكانت آخر خدمتهم هذه "العلقة"، صحف وقنوات تتوقف، صحفيون يفصلون، رواتب تتناقص وتتأخر، اتهامات بين الصحف وشركات الإعلانات، مشاجرات واعتصامات وانهيارات عصبية!!
ما الذي يحفز مواطنا لشراء أكثر من جريدة أو مشاهدة أكثر من قناة إذا كان الكل متشابها، تقف أمام بائع الصحف فيطالعك عنوان واحد في كل الصحف"مصر تستيقط" فتكتفي بشراء واحدة، وتفتح التلفاز وتقلب القنوات فيطالعك الضيوف أنفسهم والدعاية نفسها فتكتفي بقناة، يعجز رجال العمال عن الوفاء بسداد رواتب مذيعيهم وصحفييهم فيخفضون الرواتب، ثم لايجدون ما يفي بهذه الرواتب المخفضة فيغلقون بعض القنوات، (كل قناة بدأت قبل ثورة يناير تحولت إلى مجموعة قنوات بعد الثورة تضم المجموعة الواحدة ما بين 3 الى 5 قنوات)، ومع ذلك يستمر النزيف لأن الإنفاق بلا عائد، خاصة بعد أن توقف الدعم الخارجي (الرز) لهذه القنوات بعد أن أدت مهمتها وقبضت مكافأتها.
في مصر الآن حوالي 600 صحيفة ومجلة يومية وأسبوعية وشهرية وفصلية، بينها 57 صحيفة ومجلة قومية (حكومية)، و69 صحيفة حزبية و77 صحيفة خاصة ( رجال أعمال) و16 صحيفة تملكها الكنائس و4 للطرق الصوفية، و64 لللجمعيات الأهلية، وحوالي 50 قناة وإذاعة حكومية ومائة قناة خاصة، وهذا العدد مرشح للانحسار تدريجيا بفعل الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الضغوط السياسية بالأساس، أي إن غياب الحريات العامة وتصاعد القمع العسكري، أدخل البلاد في حالة ركود اقتصادي أوقف تدفق الإعلانات على الصحف وهي المصدر الأكبر لمداخيلها، كما تسبب غياب الحريات وتصاعد القمع في خفض سقف النقد والمعالجات الصحفية والإعلامية، حتى تحولت الصحف والقنوات إلى مجرد نشرات للشؤون المعنية بالقوات المسلحة أو الإعلام الأمني بوزارة الداخلية.
رغم ما تتعرض له الصحافة في مصر على يد سلطة الانقلاب سواء بقمع حريتها واعتقال العشرات من أبنائها، وإغلاق العديد من صحفها وقنواتها، ومنع العديد من كتابها، وصولا إلى تعثرها المالي والإداري الذي تسبب في فصل العشرات بل المئات، لايزال أباطرة الإعلام يتعلقون بـ"حبال العسكر"، توهما منهم أنهم سينقذونهم وينقذون مؤسساتهم، ولكن أنى لهم ذلك من سلطة متوحشة لاتعرف للحرية قيمة ولا للإنسانية مكانا.