الغارديان: لدى كاميرون صورة صحيحة عن التطرف، إلا أنه أخطأ بالكشف عن تفاصيلها - أ ف ب
علقت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها على خطاب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حول مكافحة التطرف، وقالت إن أول شيء يمكن قوله حول خطاب كاميرون إنه "كان يجب ألا يلقيه أبدا"، مشيرة إلى أن موضوع خطابه مهم وملح لعناوين الأخبار، ولكن ما كانت الحاجة الماسة إليه هو فعل محلي هادئ ودؤوب بعيدا عن الأضواء.
وتشير الافتتاحية إلى وجود التقاء مصالح طبيعي بين الدولة البريطانية والمجتمعات البريطانية المسلمة والمجتمع البريطاني الأوسع؛ من أجل منع التطرف وانتشاره بين الشباب المسلم. ولكن دينامية الوضع تعني أن كل شيء تقوله الحكومة قد يؤدي إلى تدهور الأمور، وسيخفي وراءه القواسم الحقيقية المشتركة.
وتؤكد الصحيفة أن ما تقوله بالتأكيد ليس دعوة إلى التلكؤ عن فعل شيء. لافتة إلى أن السياسات التي اقترحها كاميرون، وتلك الاقتراحات الصلبة التي أعلن عنها معقولة في معظمها، وتعبر عن دهاء سياسي.
وتستدرك الافتتاحية بأن أي كلام بلاغي حول هذا يعني أنه يجب التحرك بحساسية. فالمسلمون وغير المسلمين قلقون على أمنهم، ويريدون وقف القاتل المحتمل قبل ارتكاب جرمه. مشيرة إلى أنه لا توجد حكومة قادرة على تقديم وعود بتوفير الأمن الكامل، فالمسلمون الذين يشاهدون كلمة "المسلمين" في عناوين الأخبار والمرتبطة بالإرهاب سيشعرون بوخزة عدم الأمان، ويجب على الحكومة أن تكون واعية لهذا الأمر.
وتجد الصحيفة أن وقف موجة الجهاديين المحتملين، ومنعهم من السفر، يحتاج أولا إلى دور العائلات والمجتمعات التي يجب أن تؤدي دورا في ذلك. ومن هنا فإن الحديث معهم بغطرسة لن يجدي نفعا. ولهذا تعتقد "الغارديان" أن خطاب كاميرون، الذي اتسم بنوع من الخطابة العالية، كان الأضعف.
وتلفت الافتتاحية إلى أنه لا يمكن لأحد، ومنهم كاميرون، الزعم أن حرية التعبير هي قيمة من القيم الأساسية البريطانية، ومن ثم تمضي وتقول إنك "ستوقف تأثيرات المتطرفين، الذين يعملون بهدوء ضمن القانون، ومنعهم من نشر الكراهية، ولكنهم يكرهون المجتمع البريطاني وكل شيء يدعو إليه".
وترى الصحيفة أن الاستراتيجية المعلنة قد تكون دفاعية، على افتراض أنها من الناحية الفنية ممكنة، لتعزيز قدرات "أوفكوم" (مؤسسة الرقابة على الاتصالات)؛ من أجل ممارسة الرقابة على القنوات الأجنبية التي "تبث خطابات دعاة الكراهية، وتنشر محتوى متطرفا".
وتفيد الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، بأن مظهرا من مظاهر ضعف خطاب كاميرون هو زعمه من أن المتطرفين هم وحدهم من يقسم الناس إلى مسلمين أخيار وآخرين أشرار، مع أن سياسة الحكومة تقوم على تأكيد هذا الفرق، وتشجيع من تعتقد أنهم مسلمون أخيار "بالدعم العملي والتمويل والحملات والحماية والتمثيل السياسي". فتشجيع مثل هذا يجب أن يقدم، لكن الإعلان عنه سيمحو أثره وفعاليته.
وتنوه الصحيفة إلى خطوات كاميرون من ناحية مراجعة الزواج القسري، والختان الفرعوني، ومراجعة عمل محاكم الشريعة، وهي سياسات جيدة، بحسب "الغارديان"، مستدركة بأنه من السخافة التظاهر بعدم إشراك الحكومة في التمييز بين التفسير الجيد والخاطئ للإسلام.
وتقول الافتتاحية إنه "مع هذا النقد كله، فإن النقطة المركزية للخطاب تظل صحيحة، فنحن منخرطون في حرب أيديولوجية، بل ومعركة روحية مع جهادية عنف: معركة للأفكار والقيم، التي يجب أن تخاض إبداعيا، مثلما ستشن على مستوى السياسة والقوة العسكرية".
وتعتقد الصحيفة أن هناك روايتين للجهادية، تعطيانها القوة، ويجب أن تواجه كل منهما على حدة. فالرواية الأولى تقوم على تمجيد العنف من أجل العنف، وتخلق في خيال الشباب صورة عن أسد يقاتل قوى الظلم. وهو ما يقوم تنظيم الدولة بنشره وبث تفاصيله الدقيقة. فالقسوة التي تنفذ بشكل مسرحي جذابة للعقل الضعيف، فيما تؤثر الصور الوحشية على الصفحات الأولى لبعض الصحف ومواقع الإنترنت بصورة أسوأ من العمل ذاته.
وترى الافتتاحية أن طريقة مكافحة هذه الرواية لا تتم إلا من خلال مدخل واقعي. فالنساء اللاتي تم إنقاذهن من تنظيم الدولة، وقدمن شهادتهن في بيرمنغهام الأسبوع الماضي، يقدمن صورة عن دعاية فاعلة. ويظهرن أيضا أن استقبال عدد من اللاجئين السوريين يجعل هذا المكان أفضل للعيش ويخدم قضية الرحمة.
وتتابع الصحيفة بأنه بالنسبة للرواية الثانية لتبرير العنف الجهادي، فإنها تقوم على الأيديولوجيا. وهي تشير إلى السياسة الغربية الشريرة، وتأثير إسرائيل واليهود خاصة. فالعنف البشع لتنظيم الدولة يتم تمثيله داخل رؤية تظهر أنه عادل، حتى عندما تكون طرقه مروعة.
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالإشارة إلى أنه تجب محاربة هذه الرؤية، لافتة إلى أن كاميرون محق في محاولة مواجهتها.