حماس تجبر إسرائيل على التفاوض حول الأسرى مقابل الاسرائليين المحتجزين لديها - أرشيفية
قبل عدة سنوات عندما كان نتنياهو رئيسا للوزراء كما الآن، استطاعت حماس إبرام صفقة تبادل أسرى استمرت جولاتها عدة سنوات ما بين مد وجزر إسرائيلي، راهن الاحتلال حينها على عامل الوقت في ثني حماس اقتصاديا وسياسيا واخضاعها للقبول في تسليم شاليط بالحد الأدنى من الشروط التي فرضتها حماس، بالإضافة للحراك الاستخباراتي الإسرائيلي الباحث عن شاليط دون دفع أي ثمن.
أبرم الاحتلال على طول سنين مضت العديد من صفقات تبادل الأسرى مع الفلسطينيين وغيرهم، ومازلنا نسمع صدى صفقة تبادل الأسرى بين الجبهة الشعبية "القيادة العامة" والاحتلال عام 1985م بعد مفاوضات طويلة عقب أسر الجبهة لثلاثة جنود إسرائيليين، تكللت في النهاية بإطلاق سراح الجنود الثلاثة مقابل 1150 أسير كان من أبرزهم الشيخ أحمد ياسين، والعديد من الأسرى الذين كان من المستحيل أن تطلق إسرائيل سراحهم لضلوعهم في تنفيذ عمليات وقتل العديد من الإسرائيليين.
وقد تلى هذه الصفقة صفقات أخرى مع حزب الله اللبناني، أحدها عام 2004 بعد مفاوضات استمرت لأربع سنوات، وصفقة أخرى عام 2008 بعد مفاوضات استمرت عامين، خضع فيه الاحتلال لشروط المقاومة اللبنانية.
وكانت صفقة جلعاد شاليط عام 2011 والتي استمرت وسط مفاوضات عقيمة بين الاحتلال وحماس لخمس سنوات، تكللت في النهاية بإبرامها وخروج العديد من كبار الأسرى والذين كانت خلال المفاوضات بين الطرفين تحاول إسرائيل عدم شملهم في الصفقة، إلا أنها تمت على مرحلتين واستطاعت حماس تحقيق مطالبها بالحد الأعلى، فكانت جولة من المفاوضات قسمت ظهر الاحتلال، جعلته يبحث عن حلول مستقبلية للتعامل مع حالات الأسر للجنود.
جاءت معركة "العصف المأكول" والحرب العدوانية على قطاع غزة في تموز/ يوليو 2014م والتي استمرت 51 يوما استطاعت خلالها كتائب القسام وفصائل المقاومة من تغيير قواعد المعركة بابتكاراتهم وصلابة جأشهم وعزيمتهم البطولية، والتي أذهلت الاحتلال بإستبسالهم المستميت، وخاصة على نقاط التماس فيما بات يعرف بالاشتباك من "مسافة الصفر" وحرب الأنفاق التي أرعبت العدو، والتي كان لها دور كبير من تمكن القسام من أسر عدد من الجنود الإسرائليين والذين أصبحوا في عداد المفقودين، فيما أكدت كتاب القسام بأنها تمتلك صناديق سوداء وطالبت العدو والرأي العام الإسرائيلي من التحقق من ذلك في إشارة بأن قيادة الجيش الإسرائيلي مازالت تخفي خسائرها وتعداد جنودها.
وفي الذكرى السنوية الأولى للمعركة بدأت بعض الخيوط بالتكشف ففي تقرير لـ " إذاعة تل أبيب " مع قائد كتيبة "101" في وحدة المظليين في جيش الاحتلال الإسرائيلي ورد بأن هناك جندي في منطقة خانيونس قد فقدت آثاره في المعركة التي خاضها الجيش مع القسام في المناطق الشرقية لخانيونس، ومازالت رقابة الاحتلال العسكرية تتكتم عن الكشف عن أي تفاصيل بخصوصه، وفي الوقت نفسه لم تنفي ما تم نشره على لسان قائد الكتيبة، بالإضافة للإعلان المسبق من فقدان جنديين إسرائيليين أعلن عنهما أثناء المعركة يجزم الجيش بأنهما قتلا وأن القسام يحتفظ بجثمانيهما، فيما زال القسام يتكتم عن الكشف عن مصير الجنديين إن كانا أحياء أم في عداد القتلى.
بالإضافة لإعلان الاحتلال قبل عدة أيام عن فقدان آخرين أحدهما من أصل أثيوبي تنكر الاحتلال له أكثر من مرة، والآخر من أصول عربية لكنه مجند لدى جيش الاحتلال، مازالت خيوط وتفاصيل كيفية وتوقيت أسرهما غامضه لم يفصح الاحتلال عنها بشكل تفصيلي ودقيق.
من الواضح بأن معركة سياسية ومفاوضات سرية بإنتظار كل هؤلاء تختلف عن سابقاتها من المفاوضات مع المقاومة كما حدث مع مفاوضات شاليط حيث كانت تتركز على جندي إسرائيلي واحد وليس عدد أكبر كما هو الآن، وقد أكدت إسرائيل تكليف الجنرال "ليؤور لوتين" لإدارة ملف جنودها المفقودين، في المقابل عينت حماس "يحيى السنوار " عضو المكتب السياسي فيها وأحد الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار مسؤولا عن ملف الأسرى المحررين، ويأتي ذلك في الإطار العملي لنية الطرفين بالخوض بشكل عملي في تفاصيل إبرام الصفقة، مع التنويه بأن حماس حظرت على دوائرها الإعلامية والسياسية عن الحديث بأي تفاصيل أو أي تصريح أمام وسائل الإعلام مستفيدة من صفقة وفاء الأحرار ومفاوضات شاليط.
بشكل عام استفاد الخصمان (حماس والاحتلال الإسرائيلي) من تجربة مفاوضات شاليط، وبات يعرف كل منهما الآخر، وخاصة الاحتلال بمدى جدية وصلابة حركة حماس في مثل هذه العملية من التفاوض وسياسة النفس الطويل التي تمارسه حماس في إدارة هذا الملف، ففي صفقة شاليط استمر التفاوض لخمسة أعوام لم تسقط حماس أي شرط من شروطها بل وواجهت الضغوطات التي مارسها الوسطاء عليها.
إضافة إلى أن عملية التفاوض تأتي في ظل التعقيدات التي يعيشها قطاع غزة بحكومة تتنصل من القطاع، وحصار يزداد خنقا، ومطالب مقاومة لم تتحقق، ولم يلتزم بها العدو مما قد يتوقع بأن تقوم حماس بفتحها، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب الأسرى الفلسطينيين الذين ينتظرون أمل الحرية من جديد مثل من سبقهم من الأسرى الذين فقدوا الحرية، ولكنهم نالوها في صفقة شاليط.
في نهاية المطاف فإن طالت مدة المفاوضات في هذا الملف أم قصرت فليس لدى الاحتلال سوى الرضوخ لشروط حماس حفاظا على كينونة جيشه، وحفاظا على الحكومة الإسرائيلية الهشة والتي قد يعصفها مثل هذا الأمر وتأثير الرأي العام الإسرائيلي.