وفي حزيران ما زلنا نسكب حبر ألمنا على انتكاساتنا
الفلسطينية، إلا أن تاريخ 14 حزيران/ يونيو 2007 انتكاسة فلسطينية ناتجة عن ثورة بركان نيران ما هدأ يوما.
لا يمكن القول ن الانقسام الفلسطيني بدأ في هذا التاريخ، بل وصل مخاضه لهذا التاريخ، عندما قررت منظمة التحرير بالتفرد بالقرار الفلسطيني دون الرجوع للإجماع الفلسطيني، ومن هنا بدأ مسلسل التنازلات المتتالية التي وصلت لبقعة غزة والضفة الغربية ومستنقع من التنازلات.
خاضت الفصائل الفلسطينية موجة من الصمود والتحدي بميلاد انتفاضة الحجارة التي استنهضت في نفوس وقلوب المواطن الفلسطيني وزرعت في قلبه بذرة الانتفاض على الاحتلال بينما كان ضابط الاحتلال الاسرائيلي ما قبل هذه الانتفاضة يتحرك في سيارته في شوارع وازقة قطاع غزة والضفة لوحده وأحيانا بلا سلاح، وقد تلاحمت البطولات للفصائل المقاومة حتى وصل العطاء من حجارة وسكين للبندقية التي أربكت الاحتلال.
الانقسام الفلسطيني ولد عندما ولد التفرد بالقرار الفلسطيني دون الآخرين، والسير في المسار الفلسطيني نحو منحدر التنازلات الذي توج أيضاً باتفاقية مدريد عام 1991م، تلته اتفاقيات سرية بمفاوضات من خلف الكواليس دون الرجوع للإجماع الفلسطيني أو الشارع الثائر المقاوم الذي تولد في روحه جنين أمل مقارعة الاحتلال.
إذن لا بد الجزم بأن مؤتمر مدريد عام 1991، كان اللبنة الأولى لتأسيس الشرخ الطولي الممتد للرؤى السياسية الفلسطينية المختلفة ونظرتهم للقضية الفلسطينية وقد كان الانقسام بشكله العسكري من تبعات وتجليات هذا الشرخ.
في عام 1994 ومع قيام السلطة التي تعتبر من مخرجات اتفاقية أوسلو، زاد الشرخ الفلسطيني الداخلي عندما أقدمت السلطة بملاحقة واعتقال قادة وكوادر المقاومة من
حماس والجهاد الإسلامي واعتبرت بأن أي سلاح خارج اطار السلطة هو سلاح غير شرعي، ونبذت المقاومة ضد الاحتلال وأدانتها، حتى وصل الأمر للتنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال في ذلك، إلا أن الامر لم يصل من حركة حماس للاصطدام واستخدام العنف الداخلي، حيث راهنت الحركة على أن أوسلو محطة عابرة ستكون نهايتها الفشل.
وقد أعادت انتفاضة الأقصى اللحمة الفلسطينية، عندما توقفت السلطة بشكل نسبي عن ملاحقة المقاومين، وشهدت سنوات الانتفاضة تغييراً جوهرياً في واقع التركيبة السياسية الداخلية، ومع الانسحاب الاسرائيلي من غزة طرأت متغيرات جديدة؛ فجاءت الاستراتيجية السياسية لحماس ممثلة بأنها بحاجة لجمع الشمل وإبقائه في إطار واحد.
وقررت حماس المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الثانية عام 2006، تعزيزاً للوحدة القرار الفلسطيني وحمايته من المزيد من التنازلات بعد فشل المفاوضات التي مازالت تترنح بل تضمحل يوماً بعد يوم، إلا أن هذه المشاركة لم ترق لأصحاب المصالح الاسرائيلية واللذين لا يروق لهم مشاركة حماس في هذا الجسم المهترئ والذي سرطنت أعضاؤه بالفساد ووحل التنسيق الأمني والتنازلات اللامتناهية، فأعيد مسلسل الانقسام مرة أخرى ولكن بشكله الانقلابي العسكري الدموي ممن رفضوا الديمقراطية الفلسطينية.
فلم تتمكن الحكومة التي شكلتها حماس من القيام بمهامها لذات السبب التاريخي وهو الحرص على احتكار القرار، وعدم تقبل التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة في الساحة الفلسطينية، وتم تعطيل الحكومة حتى وصل الحد إلى الاقتتال المسلح في الشوارع.
الانقسام الفلسطيني لم يكن انقساما ميدانياً فقط بل كان كذلك في اطاره الفكري والنظري في اطار تباين الرؤى لإدارة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي المنقسم لبرنامجين أحدهما قائم على تبني المقاومة، ويرفض المفاوضات واتفاقيات التسوية، وآخر يتبنى خيار المفاوضات؛ ويرفض المقاومة، وهنا مربط الفرس.
إذن نحن أمام حالة انقسام لا تنتهي إلا إن توحدت استراتيجية فلسطينية تتفق عليها القوى السياسية ببرنامج وطني يمزج بين السياسة والمقاومة، عبر قواسم مشتركة تخرج الحالة الوطنية من الصدام الداخلي.
لذلك فإن تقزيم الشرخ الفلسطيني وحصره في ما يعرف بيوم الانقسام خطأ يقع فيه الكثيرون، فالواعي للمشهد التاريخي الفلسطيني الداخلي منذ انتفاضة الحجارة وحتى يومنا هذا يبصر مدى عمق هذا الشرخ المتزايد في ظل غياب خطاب وحدوي ورؤية موحدة جامعة للكل الفلسطيني دون تفرد من أي فصيل للقرار الفلسطيني الذي يئن بين " حانه ومانه ".