بعد مرور ثلاث سنوات، لا يزال حصار غوطة دمشق الشرقية، الذي يفرضه النظام السوري، يضيق الخناق على سكانها، وتزداد قسوته يوما بعد آخر، فيما توجه اتهامات للفصائل المقاتلة، وفي مقدمتها
القيادة الموحدة، بأنها لم تتخذ أيّ إجراءات لفك الحصار أو التخفيف من معاناة السكان.
القيادة الموحدة، التي يقودها قائد
جيش الإسلام زهران علوش، باتت تسيطر على كلّ مفاصل الحياة اليومية الاقتصادية والأمنية والمعيشية للسكان المحليين، فيما تواجه نوعا من الاحتجاجات الشعبية نتيجة تردي الأوضاع بشكل عام من جهة، وهيمنة فصائل القيادة الموحدة على الموارد وحركة البضائع والتجارة من جهة أخرى.
ويقول سكان ونشطاء في
الغوطة إن تجارة البضائع، من المواد الغذائية وغيرها، تحقق إيرادات مالية عالية للمتنفذين في الفصائل المقاتلة. لكن هذه الفصائل تنفي باستمرار مسؤوليتها عن نقص المواد الغذائية أو احتكار تجارتها، وتتهم جهات لم تسمها بالتحريض على عليها.
وتسلك البضائع طريقا واحدا يمر عبر أنفاق تحت الأرض. ويتحدث الناشط الإعلامي أحمد رشيد، في لقاء خاص مع "عربي21"، عن أهمية هذه الأنفاق، والدور الذي تلعبه في حياة السكان اليومية، ويقول: "يسيطر على الأنفاق فصيلان رئيسيان هما،
فيلق الرحمن وفجر الأمة"، مشيرا إلى أن الأخير الذي يعمل بقيادة أبي خالد الدقر "هو آخر فصائل مدينة حرستا بعد تصفية الفصائل الأخرى، واندماج ما تبقى منها في كيانات أخرى منذ الحملة المعروفة باسم الحملة على المفسدين".
ومنذ شهر مضى، أعلن لواء فجر الأمة بيعته للاتحاد الإسلامي لأجناد الشام المنضوي تحت القيادة الموحدة. ويتحكم اللواء بثلاثة أنفاق في حرستا تعود عليه بإيرادات مالية ضخمة، كما أنه يعزز من نفوذه في المنطقة، كما يقول ناشطون في المنطقة.
وفي الآونة الأخيرة ظهر لاعب جديد يهدد بكسر احتكار سيطرة جيش الإسلام على الطرق الخاصة المؤدية من وإلى الغوطة الشرقية، حيث أكمل فيلق الرحمن حفر نفق خاص به في مدينة عربيين المحاصرة، وقد بدت علامات انتعاش اقتصادي على الفيلق تمثلت في إيرادات مالية كبيرة شجعت على التحاق المزيد من الشباب بالفيلق الذي يصرف أجورا عالية نسبية، ويقوم بشراء آليات جديدة، وإنشاء مؤسسة إغاثية تابعة له، كما قام بافتتاح شركة للصرافة والحوالات المالية، رغم ما يشكله هذا النشاط من خطر، حسب رؤية جيش الإسلام.
لكن يبدو أن الأمر يأخذ مدى آخر، حيث يجري الآن تشكيل هيئة سياسية خارجية مرتبطة بفيلق الرحمن وتمثله، ويعتقد أن هذه المحاولة تتم بدعم عدد من المشايخ المعروفين، على رأسهم الشيخ أسامة الرفاعي، وشقيقه الشيخ سارية الرفاعي، والشيخ أبو الخير الدمشقي، والشيخ كريّم راجح، الذين يمثلهم في الداخل طلابهم، وعلى رأسهم الشيخ إبراهيم كوكة وإخوته. وحتى هذه اللحظة، لم يبد أي رد فعل من قبل جيش الإسلام، على حد قول الناشط الميداني رشيد.
ويضيف رشيد لـ"عربي21": "بروز فيلق الرحمن خصوصا كقوة عقدية، واقتصادية، لن يترك لزهران علوش مزيدا من الوقت للصمت"، حسب تقديره.
ويرى رشيد أن لواء فجر الأمة بانضمامه مؤخرا للاتحاد الإسلامي لأجناد الشام إنما يطلب "غطاء شرعيا يحميه من تهمة المفسدين، التي كانت ربما ستؤدي بهم إلى حملة تجتثهم".
ويتابع: "أما فيلق الرحمن فهو صوفي التوجه، وأغلب عناصره هم من الصوفيين، والعوام الساعين لراتب يسدون به رمق العيش، وبطبيعة الحال هو منتمي للقيادة الموحدة في الغوطة بقيادة زهران علوش"، حسب قوله.
ويبدو أن الخطوات المتخذة من قبل الفصائل التي تسيطر على الغوطة لم تكن بالمستوى الذي يلبي طموحات السكان، وخصوصا على مستوى كسر الحصار وتوفير المواد الأساسية، ما ولّد حالة من الاحتقان قوبلت بإجراءات نفذتها القيادة الموحدة تمثلت في حملات اعتقال طالت العديد من المتذمرين، بينهم إعلاميون.
ويقول مصدر خاص لـ"عربي 21"، رفض الكشف عن اسمه: "القيادة الموحدة في الغوطة، تشهد خلافات داخلية بين مكوناتها، فوجود القاضي الأول أبي سليمان طيفور، وهو من الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وأبي محمد الفاتح، نائب زهران علوش في القيادة الموحدة أيضا، وهو من الأجناد، بدأ يشكل قلقا بالنسبة للقيادة في جيش الإسلام، وكلاهما وزهران علوش هم من أهالي دوما".
ويضيف المصدر: "لعل الشيخ زهران بدأ يشعر بأن الأمور تتغير ونقمة السكان وصلت مبلغا كبيرا، خصوصا لهيمنته على كل مفاصل الحياة والاعتقالات التي ينفذها عناصره باسم القيادة الموحدة، بتهم متنوعة أبرزها وأكثرها رواجا الانتماء لتنظيم الدولة، أو الخوارج، كما يسمونه، وهي تهمة كل معارض، وراغب بتغيير زهران علوش، وهي تهمة من لا تهمة له" حسب تعبير المصدر.
ورغم كلّ الاحتقان، فإن "انتعاش الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام بعد انضمام لواء فجر الأمة له، بما يعزز موقف القاضي طيفور والنائب الفاتح، رفع أسهمهما في الغوطة لتوازي أسهم زهران علوش عسكريا واقتصاديا، وهذا توازن قوى جديد في الغوطة، يصيب علوش بقلق كبير"، وفق قول المصدر.
وأضاف أن القاضي طيفور قدم استقالة شفهية على خلفية رفض جيش الإسلام تسليم القضاء الموحد برئاسته ملفات جيش الأمة الذي تم حلّه سابقا واعتقال العديد من قادته وعناصره، الأمر الذي يُراد به تحميل القاضي طيفور مسؤولية كل شيء أمام العامة من أهل الغوطة في نظر طيفور"، كما ختم المصدر حديثه.
وشهدت الغوطة الشرقية احتجاجات تطالب بإطلاق سراح معتقلين. والأسبوع الماضي اعتقلت قوات من جيش الإسلام رئيس الهيئة الشرعية في دمشق وريفها، الشيخ ماهر شاكر، على خلفية خطبة في أحد مساجد زملكا. وبعدما أنكر الجيش اعتقاله، أطلق سراحه، وتقدم باعتذار، معتبرا أن ما حصل كان نتيجة تصرف شخصي من بعض العناصر.
وقبل ذلك اعتقلت قوات من جيش الإسلام الإعلام أنس الخولي، وبعد حملة تضامنية معه اتهمه الجيش بالتورط في محاولة اغتيال بعض عناصره، لكنه عاد وأطلق سراحه دون إحالته للمحاكمة.