نشرت صحيفة "سلايت" الفرنسية، تقريرا حول المغالطات الكلامية التي يستخدمها السياسيون والمحللون بهدف تهويل الأمور ولفت الأنظار.
وأشارت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21" إلى ردود الفعل حول حادثة ليون التي قطع فيها "ياسين الصالحين" رأس رب عمله، وحاول تفجير مصنع كيميائي، وقالت إن "طريقة تعامل الإعلام والرأي العام معها؛ تدفع إلى التفكير في مضمون عدد من المفردات، مثل الإرهاب وصراع الحضارات والفاشية الإسلامية، بهدف توضيحها بعيدا عن التحامل والمغالطات.
وأضافت أن الصالحي قد أكد مدى خطورته على الأمن العام الفرنسي، وأظهر جانبه "المظلم" للعالم، عندما قام بقطع رأس مديره في العمل، ونجح بذلك في "نشر الرعب في نفوس المواطنين، وهو ما خطط له مسبقا".
ووصفت الصالحي بأنه "شخص غريب الأطوار"، وقالت إن "الإرهابي ليست مجرد شخص يقوم بجريمة وهو يصرخ (الله أكبر)، فهي شخصية تأثرت بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية متداخلة، حيث لا يمكن التعاطي مع حادثة قتل ياسين لرب عمله، دون الأخذ بعين الاعتبار التوبيخ الذي تلقاه منه قبل يومين بسبب إتلاف معدات أثناء نقلها، وعراكه مع زوجته التي هددت بالطلاق قبل يوم من الحادثة".
وقالت الصحيفة إن أغلب "الإرهابيين يعانون من اضطرابات نفسية، تجعلهم يقترفون أعمال عنف بهدف التنفيس عن معاناتهم الداخلية"، مستدركة بأن "هذا لا يبرر الخلط بين تنظيمات مسلحة دقيقة التنظيم ولها أجندة واضحة، وبين أفراد ذوي شخصيات مختلة، فقط لأن أوقات العمليات تزامنت، حيث شاءت الصدف أن يهتز العالم لعملية الصالحي في فرنسا، وعمليات
تنظيم الدولة في تونس وسوريا خلال يوم واحد".
وذهبت إلى أن التركيز الإعلامي المفرط على مثل هذه الحوادث لا يخدم المصلحة العليا للدولة، منتقدة التصريحات المتسرعة، مثل تصريحات رئيس الوزراء
مانويل فالس الذي أكد أن فرنسا لم تعرف خطرا مماثلا في تاريخها، واعتبرتها "تساعد المتطرفين على إرساء مناخ يسوده القلق والخوف".
وأفادت أن دانيال كون بانديت، رجل السياسة الفرنسي ذا الأصول الألمانية، دعا الفرنسيين إلى التريث وعدم الاستسلام للخوف، وأكد لهم في مقاربة طريفة أن فرص وقوعهم ضحايا لعمل إرهابي يساوي فرص فوزهم باليانصيب، وهو الأمر الذي أكدته الصحيفة، التي ذكرت أن عدد ضحايا الأعمال الإرهابية في فرنسا منذ 2010 وصل إلى 61 شخصا، بينما فاز 38 شخصا باليانصيب في سنة 2014 وحدها.
وقالت الصحيفة إن السياسيين أصبحوا يعتمدون على
الكلمات المفخخة لتوجيه اهتمام الرأي العام نحو المشاكل الأمنية، "فقد صرح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بأن فرنسا اليوم تعيش على وقع حرب حضارات"، مضيفة أن هذا التصريح زاد الطين بلّة، حيث إنه حول الأذهان بشكل آلي نحو الجدال الثقافي الذي يتناول الصراع بين الغرب والإسلام، ضمن نظرية "صراع الحضارات"، في حين أنه تم استعمال هذه الجملة أساسا في محاولة لتأكيد أن فرنسا تخوض حربا ضد ثقافة الموت.
وأشارت إلى أن فالس ليس أول من يستعمل مثل هذا التعبير، فقد استعمله الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، عندما قال إن الحرب على الإرهاب هي حرب من أجل الحضارة. واستعمله كذلك نيكولاي ساركوزي منذ وقت غير بعيد.
وأضافت أن مانويل فالس لم يتردد في التصريح بأن فرنسا تواجه خطرا اسمه "الفاشية الإسلامية"، متبعا بذلك اليمين الفرنسي الذي قال إن الفاشية الإسلامية قد أعلنت الحرب العالمية الثالثة، سائرا على درب جورج بوش الذي استعمل هذه المفردة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2005 بهدف تشبيه الإسلام بالشيوعية.
وأوضحت أن الفاشية والشيوعية تختلفان اختلافا جذريا عن التوجه الإسلامي "المتطرف"، فالفاشية من المخلفات الوحشية لحداثة القرن العشرين، والشيوعية تبحث عن بناء "الإنسان الجديد"، في حين أن "التطرف الديني" هو شكل من أشكال التشدد ورفض الآخر.
وفي الختام، قالت "سلايت" إنه "من الطبيعي أن يلجأ رئيس الوزراء إلى الكلمات التي لها وقع قوي، من أجل لفت الأنظار نحو المشكل، وإنه من الشرعي تسمية الأسماء بمسمياتها، ولكن بشرط استعمال المفردات الصحيحة والمناسبة، وتفادي المغالطات الفكرية، والصيغ الصادمة المفرغة من المضمون".