عقب كل تحرك تقوم به جماعة
العدل والإحسان تضامنا مع قضايا الأمة إلا وتتكرر ذات الأسطوانة من بعض الأطراف المحلية المستنكرة له، سواء تلك الرافضة لأي ارتباط بالمجال العربي الإسلامي، أو ممن تستكثر على الجماعة دعمها لقضايا عادلة والتي دائما ما تشكك في نيات الجماعة، وتكيل لها اتهامات مجانية متعلقة بالسعي إلى استغلال هاته القضايا والركوب عليها، وذلك تلميعا لصورتها واستعراضا لعضلاتها.
الشيء الذي تكرر اليوم بعد إعلان الهيئة
المغربية لنصرة قضايا الأمة عن تنظيمها، في إطار ما سمي ب"جمعة غضب .. كفى صمتا"، لسلسلة من الوقفات والفعاليات المنددة بأحكام الإعدام التي تسبب فيها الانقلاب العسكري الدموي والتي طالت عددا من رموز العمل الإسلامي في
مصر أبرزهم الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي ومرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع وغيرهم .
من المفهوم أن نعاين مثل هذا الجدل المتكرر بين نخب وتنظيمات متنافسة، لكنه لا ينبغي أن يتحول إلى كيل تهم بهذا المستوى المتدني، والذي يعبر عن مشاعر ضيقة ومنكفئة حول الذات، فأن يزايد البعض على وطنية العدل والإحسان بسبب تفاعلها مع قضايا إقليمية وعالمية لهو أمر غير مفهوم البتة، فمنذ متى كان التعبير عن موقف تضامني مع أي مظلوم في أية بقعة في العالم دونية ونقص في الوطنية كما يدعون؟ لماذا يضيقون واسعا ولماذا هذا الإصرار على المفاضلة بين تازة وغزة وكأن ثمة تعارضا بينهما، أو كأن الاهتمام بقضية ما يأتي بالضرورة على حساب الأخرى؟ وكأن صدر الإنسان المبدئي بالنسبة لهم لا يستطيع أن يتسع لأكثر من قضية.
غير أننا إن تأملنا جيدا في الذين يلوكون مثل هذا الكلام نجد أن غيرتهم المزعومة على البلاد لا تصدقها مواقفهم وأفعالهم، فأكثرهم لا تعنيهم لا "تازة ولا كازا" (مدينتين مغربيتين)، ولا غيرهما من مدن ومداشر المغرب بدليل انقطاعهم عن الشعب وهمومه فكرا وممارسة، واصطفافهم في خندق أصحاب المصالح والامتيازات المنتفعين من الاستبداد المخزني بشكل أو بآخر، وهم بهذا منسجمون تماما مع فلسفتهم المتخاذلة الرافضة لأي فعل ممانع داخل المغرب كان أم خارجه.
ولو كنا سنحتكم إلى منطقهم المعتل للازمنا الحكم على جل التشكيلات السياسية العالمية بذات الأمر، فما من تيار أو تنظيم إلا وله تصورات عن الخارج يعبر عنها بأشكال مختلفة، وهذا ينطبق عليهم أيضا، فهم لا يتورعون عن إصدار مواقف في الشؤون العربية والإسلامية بل والخروج إلى الشارع أحيانا رغم مزاعمهم بعدم الإكتراث بما يجري في المحيط، أي أن المشكل عندهم حقيقة في طبيعة اصطفافات العدل والإحسان الخارجية، وليس في مبدأ التفاعل مع ما يجري خارج الخريطة المغربية.
ولا حاجة بنا للتذكير هنا بسقطاتهم في هذا الباب وخروجهم الدائم عن الإجماع الشعبي بتبني تلك الأطراف مواقف شاذة عربيا وإسلاميا وإنسانيا.
الجماعة لم تخرج إذن عن السائد وهي حين تعبر عن موقف تضامني من مسألة ما، فهي لا تفعل إلا ما تحتمه عليها مبادئ الأخوة الإسلامية ونصرة المستضعفين، بعيدا عن أية تبعية أو تهميش لواقع بلدها فهي تعلم قبل غيرها أن ذوي القربى أولى بالمعروف.
ولمن يعيب عن الجماعة المبالغة في اهتمامها بالشأن الخارجي على حساب الملفات الداخلية، مستدلين بخروجها الدائم إلى الشارع مع كل مستجد يحدث في الخارج، فهو يتجاهل أمرا مهما متعلقا بطبيعة الأشكال النضالية التي تفرضها كل جبهة، فما يمكن أن تقدمه الجماعة للأمة هو التنديد بأي عدوان يصيب جزءا من جسمها وتسجيل موقف رافض له، والوسيلة المتاحة لها في هذا الباب هي التعبئة الجماهيرية.
أما الواقع المحلي فيطلب أكثر من الخروج للشارع على أهميته، فيلزم قبل كل شيء موقفا صلبا من الاستبداد المحلي والثبات عليه، والجماعة من القلائل الذين ما زالوا متشبثين بجمر المبادئ رغم التساقط المريع للنخب، وهذا وحده يحسب للجماعة، فلو أرادت أن تساوم وتقتسم الكعكعة المخزنية، وتستفيد من الامتيازات غير المحدودة على حساب المغاربة وأوجاعهم لكان ذلك يسيرا عليها، ولوفر لها النظام المغربي بعد ذلك كل الوسائل لرفع الشعارات التي تريد وإظهار عنتريات جوفاء للخارج كما يفعل الكثيرون، لكنها اختارت طريقا آخرا كله عقبات وأذى، في الوقت الذي يظل من يخاصمها ويزايد عليها في منأى عن أي استهداف. كما أن العدل والإحسان جسم حيوي مستمر في بناء نفسه وتقوية صفه، وكلما يعرف المغرب حراكا جادا فئويا كان أم شاملا إلا وينخرط كوادرها فيه ويقدمون له قيمة مضافة.
أما من يطرح ضرورة استنساخ أشكال الجماعة التضامنية مع الأمة وتكرارها في الواقع المحلي المغربي، فعليه أن يدرك أن أي تغيير في المغرب لا يمكن أن يحدثه لون واحد لأسباب عديدة ليس هنا المقام للتفصيل فيها، ولو كان أمر خروج الجماعة باسمها إلى الشارع للتدافع المباشر مع المخزن يحسم أو على الأقل يعطي دفعا قويا لعجلة التغيير لكانت الجماعة ملزمة بتفعيله ولسلمنا بتقصيرها، لكن الواقع لا يرتفع وأي انعتاق للمغاربة لا يمكن أن يتم دون تحرك جمعي للمغاربة قوى حية وجماهيرا بعيدا عن اتكالية البعض على الجماعة وزخمها الشعبي.
على أن هناك فئات أخرى ليست ضد نصرة قضايا الأمة، غير أنها لا تستسيغ حضور الجماعة القوي والوازن في المحطات التضامنية خصوصا إذا خرجت بشكل أحادي فيها، وكأنها ملزمة بأخذ "تصريح" منهم قبل أن تتحرك ذات اليمين أو ذات الشمال، وعليها بعد ذلك أن تنصاع لتعليماتهم حتى يرضوا عليها ويتحول أعضاءها إلى مجرد أرقام أو " قطيع" يركبون عليه ويستثمرونه في مشاريعهم، فإن لم تستجب لهم الجماعة ولاشتراطاتهم المجحفة، فتهمة الركوب واستعراض العضلات جاهزة.
ثمة معطى جديد فرض نفسه بعد "الربيع العربي"، والذي أدى إلى حالة من التشرذم والانقسام بين المكونات التي اعتادت على تنظيم أشكال مشتركة مع الجماعة كلما تعلق الأمر بأي مستجد في الساحة العربية والإسلامية، هو أن بعض تلك الأطراف اصطفت في غير الصف الذي اعتادت على الوقوف فيه.
فمن الواضح أن الأحداث المتسارعة في المنطقة قد أربكتها وجعلتها تبدل وتغير وتقع في ازدواجية رهيبة دون أن يرف لها جفن، فمن صدع رؤوسنا بالبكاء على دماء الأمة النازفة جراء اعتداءات الصهاينة والأمريكان وغيرهم عليها، يصاب فجأة بعمى ألوان يجعله لا يرى انقلاب عسكر مصر على
الشرعية وما فعله في "رابعة العدوية" وأخواتها، ولا يكتفي بذلك بل يهاجم أي فعل تنديدي بالإجرام الانقلابي في الساحة المغربية.
الخطير في الموضوع المصري والذي لا يراه من يغلب روح التشفي على خصم إيديولوجي، هو تلك الوصفة السامة التي تجرب في بلد حيوي ومحوري كمصر، ونجاح هذه الوصفة هو إعادة اعتبار للنزعة الإستئصالية للأنظمة الاستبدادية ضد التيارات المعارضة والتيار الإسلامي خاصة، وهو ما لا يستوعبه بعض المراهقين الذين يساهمون إما بدعمهم المباشر أو تواطؤهم أو صمتهم في نشر هذا السم الذي سيتجرعه الجميع بعد ذلك لا سمح الله في جل المحيط العربي والإسلامي، ولن ينفع ندمهم بعد ذلك، إذن ما الذي يمنع من تكرار ذات المقاربة معهم بعد الانتهاء من الحركة الإسلامية؟.
من هنا فالعدل والإحسان تتعاطى مع الشأن المصري بما يستحقه من اهتمام ومن تفاعل، كما أنها بمساندتها له ولغيره من قضايا الأمة العربية والإسلامية المكلومة تكون منسجمة مع قناعاتها ومتناغمة مع المزاج الشعبي المغربي الذي تنوب عنه في تصريف عدد من توجهاته الخارجية.