من بين آلاف الوثائق التي نشرتها ويكيليكس من المراسلات الرسمية السعودية، ظهرت بعض الوثائق التي تتعلق بالإخوان بشكل مباشر أو غير مباشر وسواء داخل
مصر أو خارجها، وعلى عكس محاولة الأذرع الإعلامية لسلطة الإنقلاب لتصوير بعضها باعتبارها مسيئة للإخوان بزعم أنهم وافقوا مثلا على مبادلة حبس مبارك مقابل عشرة مليارات دولار، فإن هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق تؤكد تورط
السيسي شخصيا في تلك الصفقة التي لم تتم، كما تؤكد اهتمام السعوديين بالتواصل مع الإخوان رغم كراهيتها لهم وخوفها منهم، وإقرارها بأنهم صمام أمان في مواجهة الزحف الشيعي الذي تشعر هي -أي المملكة- بالعجز عن مواجهته بمفردها.
وبغض النظر عن عدم تنسيق وترتيب الوثائق واقتطاع أجزاء منها بما لا يجعلها غير مكتملة ويحجب بيانات مهمة تمنع الفهم الكامل لها ولشخوصها، فإن ما نشر حتى الآن يكشف تناقضات في المواقف السعودية، فهي تارة تبدي مخاوف واضحة من الإخوان المسلمين وتتحرك لمنع تمدد نفوذهم وتارة تسعى للتودد والتقارب معهم، وكمثال على الأولى ترصد إحدى الوثائق أن وصول الإسلاميين للسلطة في بلدان الربيع العربي سيخلق تحالف اسلاميا ثوريا مختلفا مع النموذج الإيراني ولكنه يمثل تحديا للملكة السعودية، وأنه خلال حكم الإسلاميين الذين قد يواجهون فشلا اقتصاديا واجتماعيا فإنهم سيسعون لتضخيم المواجهات الخارجية وبعضها مع المملكة ، كما أن التنافس السلفي الإخواني سيؤدي إلى تصعيد إعلامي وحرب باردة مع المملكة، أما نموذج الحالة الثانية وهي التودد والتقرب للإخوان فقد وردت في الرسالة السابقة ذاتها وفي رسائل أخرى، حيث نصحت الرسالة بالبعد عن التخوف المفرط في التعامل مع الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في بعض دول الربيع العربي، ذلك أن بعض إيجابيات التغيير هي إضعاف إيران الساعية للهيمنة "لذا، فإن من المهم تحديد الأولويات وكسب الحلفاء، وتحييد جل الخصوم"، كما أوصت الرسالة بمد الجسور وإقامة علاقات معتدلة مع الأحزاب الإسلامية التي وصلت للحكم في بعض الدول العربية باعتبارها رصيد بشري نوعي للمملكة، وقد سبق هذه الرسالة رسالة أخرى من محمد بن سعود بن خالد وكيل الخارجية السعودية إلى وزير الخارجية السابق سعود الفيصل بتاريخ 28-2-1443هجرية ينصح باستضافة الدكتور محمد مرسي حين كان رئيسا لحزب الحرية والعدالة، وترتيب لقاءات له مع مسئولين سعوديين على هامش زيارة مقترحة لآداء العمرة، وللعلم فهذه الزيارة لم تتم طيلة فترة رئاسة مرسي لحزب الحرية والعدالة بسبب استمرار حالة العداء السعودية للاخوان، ولكن الدكتور مرسي تعهد اثناء حملته الانتخابية الرئاسية ان تكون أول زياراته الخارجية للملكة السعودية وقد فعل ذلك عقب انتخابه رئيسا للجمهورية.
نقلت إحدى الوثائق السعودية المسربة أيضا أن نائب المرشد العام للاخوان الدكتور محمود عزت أمر بسحب شباب الإخوان من ميدان التحرير ليلة معركة الجمل، وبغض النظر عن صحة المعلومة أو خطئها، فالعبرة هنا بالموقف الفعلي على الأرض، حيث ظل شباب الإخوان في المكان، وكانوا الأكثر استبسالا في مواجهة غزو أنصار مبارك للميدان بخيولهم وبغالهم وجمالهم، وهذا ما شهد به ألد أعداء الإخوان، واذكر أن بعضهم سالني شخصيا عن سر ذلك الإستبسال الذي وصفه بغير المتوقع وغير المسبوق، وكان ردي عليه أنها كانت معركة حياة أو موت للإخوان ، فإما أن ينتصر أبناء مبارك، ويدخلوا الميدان على جثث الإخوان، ثم يقوموا بقطع رؤوسهم وتعليقها على أعمدة الميدان، وإما أن ينتصر الميدان بقيادة الإخوان فتنتصر الثورة كلها، وقد سجلت ذلك في ذكرياتي المنشورة عن ثورة 25 يناير ووصفت معركة الجمل حينها بأنها "فرقان الثورة" تشبها بغزوة بدر التي وصفها القرآن بأنها يوم الفرقان.
أما الوثيقة الأهم والتي هللت لها الأذرع الإعلامية لسلطة الإنقلاب فهي تلك المتعلقة بموقف الإخوان من العفو عن مبارك نظير مساعدات مالية لمصر، حيث نقلت إحدى الرسائل المسربة عن مسئول مصري –مجهول الهوية وإن كنت أرجح على فرض صحة الرسالة أنه اللواء عبد الفتاح السيسي رئيس المخابرات الحربية وقتها وربما حجبت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله والتي نشرت الوثائق باتفاق مع ويكيليكس إسمه بشكل مقصود لدوافع سياسية تتعلق بموقف ايران والحزب من السيسي- أن خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان وافق على صفقة كانت مقترحة للإفراج عن الرئيس الأسبق حسنى مبارك مقابل تلقي مصر 10 مليارات دولار من دول الخليج، خلال فترة حكم المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير.
ونقلت الوثيقة أن ذلك المسئول المصري ( السيسي) اقترح تقديم المبادرة من قبل المملكة ودول الخليج لتجنيب المجلس العسكري أي حرج أمام الرأي العام المصري.
وتضمنت الوثيقة التي حملت عنوان "سري للغاية وغير قابل للتداول" أقوالًا منسوبة للمسؤول المصري( السيسي) ، قبل صدور الحكم على مبارك في المحاكمة الأولى، من بينها أنه «متأكد من أن قادة دول الخليج العربية يتطلعون إلى تقديم فدية لإطلاق سراحه (مبارك) وسفره إلى خارج مصر، وأن أكثر قادة دول المجلس حرصًا على ذلك هو خادم الحرمين الشريفين».
وأضاف المسؤول، حسب الوثيقة، أنه «تحدث مع السيد خيرت الشاطر من الإخوان المسلمين، المرشح لنيل منصب رئيس الوزراء في الفترة القادمة، عن صفقة للإفراج عن الرئيس مبارك مقابل مبلغ تدفعه دول الخليج في حدود 10 مليارات دولار، حيث إن الشعب المصري لن يستفيد من سجنه، وأن هذه الفكرة لاقت القبول لديه، وأنها ستلقى قبول الشارع المصري وأسر الشهداء ومصابي الثورة خاصة إذا تم الإعلان عن تخصيص مبلغ مليار دولار من هذا المبلغ لهم».
ونقلت الوثيقة تأكيد «المسؤول المصري» أن هناك أحكامًا مشددة بالسجن سوف تصدر ضد أبناء الرئيس مبارك، وأنه «تم الاتفاق مع الإخوان المسلمين على الإفراج عن أبناء الرئيس مقابل إعادة أموالهم المهربة».
ونقلت وثيقة أخرى اقتراحًا، لم تكشف صاحبه( يرجع أن إخفاء الإسم لدوافع سياسية ايضا والذي على الأغلب سيكون السيسي)، بأن «تتم مفاتحة الإخوان المسلمين من قبل المملكة ودول الخليج العربي بأن تتحمل هذه الدول دفع الحقوق المالية التي يمكن أن يصدر بها حكم على الرئيس مبارك لصالح المدعين، وأن تعرض إحدى دول الخليج انتقال الرئيس مبارك إليها واستضافته فيها مراعاة لظروفه الصحية».
وعادت الوثيقة لتنقل عن «المسؤول المصري» تأكيده «أهمية أن تقدم المبادرة من قبل المملكة ودول الخليج لتجنيب المجلس العسكري أي حرج أمام الرأي العام المصري».
وهنا تدخل محرر الوثيقة الثانية، المُرجح أن يكون الأمير سعود الفيصل، بالقول: «أبدي للنظر الكريم أنني أبلغته أنني سأرفع ذلك لمقامكم الكريم بهذه المعلومات، واستفسرت منه: هل يقبل الشعب والإخوان فكرة الفدية لإطلاق الرئيس مبارك وهم من أكثر المتحمسين لسجنه؟، فقال إنه فاتح الإخوان وقبلوا الفكرة، فأخبرته أنني لا أعلم إن كانت قيادة بلادي ستقبل بفكرة الفدية، ولكننى سأرفع ذلك لها».
وعلى فرض صحة الوثيقتين، فإن ما تضمنتاه ليس منسوبا للإخوان بل منسوب إلى المسئول المصري الذي رجحت شخصيا أن يكون السيسي ( حيث لو كان أي شخص آخر لتم إعلان إسمه بكل صراحة، أما السيسي فيتمتع بعلاقة طيبة مع إيران وحزب الله منعت الصحيفة صاحبة حق النشر من ذكر إسمه)، وفي هذه الحالة فإن السيسي ربما باع وهما للسعوديين، الذين لم يحرصوا أن يتواصلوا مع الإخوان مباشرة لمعرفة رأيهم، وما ينسف تماما موقف المسئول المصري (السيسي) الذي نقله للسعوديين عن موافقة الإخوان على تلك الصفقة أن مبارك ظل حبيسا بالفعل حتى صدر حكم قضائي بإخلاء سبيله بعد عامين من الحبس، وما أعلمه شخصيا أن الرئيس محمد مرسي رفض العرض السعودي بقوة حفاظا على الثورة وتأكيدا على حق القصاص العادل للشهداء، كما أن المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للاخوان كان رافضا بشكل خاص لهذا العرض شأنه شأن كل قادة الإخوان بل كل قادة الثورة وما يؤكد ذلك رفض السعودية منح تأشيرة لأداء العمرة أو الحج طوال الفترة التالية للثورة وحتى إبان حكم الرئيس مرسي ما يعني وجود توتر وتأزم في العلاقة معه ومع الإخوان بسبب موقفهم من حبس مبارك (راجع حوار عصام العريان مع عمرو موسى في نوفمبر 2012 https://www.youtube.com/watch?v=Dn_h7Nnw94I).
ولماذا نذهب بعيدا في التحليل والتفسير وقد أصدر السفير السعودي في القاهرة أحمد القطان بيانا يوم 16 مايو2012 نشرته وسائل الإعلام المصرية والسعودية نفى فيه ما وصفه بالادعاءات التي أطلقها المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، التي ادعى فيها أن المملكة العربية السعودية عرضت مبلغ 4 مليارات جنيه مقابل الإفراج عن الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وتسليمه للرياض، مؤكدا أن هذه الشائعات لا صحة لها إطلاقاً، وأنها ستؤثر على العلاقات الأخوية بين البلدين والممتدة منذ سنوات بعيدة.
وأوضح قطان في البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي للسفارة السعودية بالقاهرة أن المملكة لا تتدخل في الشؤون الداخلية المصرية، وأنها حريصة فقط على دعم مصر لتمر من أزمتها الراهنة، وذلك لأهمية مصر للعالم العربي، ودعا السفير السعودي المهندس خيرت الشاطر لتقديم الأدلة على صحة هذه الادعاءات، بخلاف ما ردّدته بعض الصحف وحرصت المملكة على نفيه فوراً"، ولأن الشاطر الآن أسير محبسه فقد ظهر جانب من الحقيقة من وئايق الخاررجية السعودية ذاتها بأنها ناقشت بالفعل صفقة مع المجلس العسكري بإطلاق مبارك مقابل عشرة مليارات دولار مع تأكيدنا بأن الوثيقة لم تتضمن ما يفيد موافقة الإخوان عليها سوى كلمات المسئول المصري المجهول.
رسائل اخرى متبادلة بين السفارات السعودية ووزارة الخارجيية السعودية تضمنت بعض الأمور الخاصة بالإخوان تبدو روتينية وفي إطار المتابعة العامة والرصد لتحركات الجماعة وتطور أدائها سواء داخل مصر أو في دول الربيع الأخرى وخاصة ليبيا وسوريا وتونس، وهي في المجمل تعكس إهتماما سعوديا بالجماعة رغم كراهيتها المعلنة لها خاصة ايام حكم الملك عبد الله، ورغبة ذلك الحكم في تحجيم دور الجماعة ومنع وصول الأفكار الثورية للربيع العربي إلى داخل المملكة، كما تعكس الرسائل إرتباكا سعوديا في التعامل مع ذلك الملف ما بين فكرة الاحتواء الهادئ والتودد او حتى الإستعداد للمواجهة، وهذا قد يبدو طبيعيا في ظل حالة الخوف من وصول الأفكار الديمقراطية والثورية إلى الشباب السعودي الذي لم يعد منفصلا عن بقية الشباب العربي في ظل السموات المفتوحة والفضاءات الإلكترونية التي لاتحدها حدود.
الأهم من كل ذلك أن الوثائق لم تقدم فعلا ما يدين الإخوان على عكس ما صوره إعلام السيسي، بل الصحيح أنها قدمت إدانة لعهد المجلس العسكري ومن ضمنه السيسي.