في 3 حزيران/ يونيو أعلنت مؤسسة الرئاسة في مصر سفر السيسي ووفده الإعلامي الفني الذي ضم أكثر من 20 فنانا وإعلاميا مصريا، وعللت مؤسسة الرئاسة ذلك بضرورة سفر كل هذا العدد لدعم الزيارة كقوة ناعمة ضد القوة الخشنة للإخوان وغيرهم ممن يشنعون على النظام بملف الإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان وملاحقة الناشطين في مصر.
و كسابقة لم تحدث من قبل تضمين كل ذلك العدد من فنانين وإعلاميين لوفد رسمي، وخاصة في زيارة تم الإعلان عنها أنها زيارة لبحث التعاون الاقتصادي في المقام الأول، وتعزيز العلاقات السياسية التي اتسمت بالفتور، وخلت قائمة الوفد الفني الإعلامي من متخصصين أو مستشارين لخدمة أهداف الزيارة المعلنة اقتصاديا أو سياسيا، وهذا يدل أن الفرح لا يحتمل سوى التطبيل وزفة لعريس جاء في موكبه مع أصحابه وأقاربه ومحبيه لإحياء الحفل الترويجي الملكي. وطار الوفد الناعم وقام بكل مراسم الحفلة والزفة والزغاريد والطبلة الكبيرة على إيقاع واحدة ونص ونقط من نقط مجاملة للعريس لإشعال حماسة الفرقة والعازفين.
إيقاعات معزوفة الفن البلدى على واحدة ونص لا يطرب لها أبدا من عاش على إيقاعات باخ، بيتهوفن، برامز، هيندل، ريشارد شتراوس تلك الأسماء والأنماط الثقافية الألمانية التي قدمت صورة ألمانيا للعالم وحققت جسورا التواصل الإنساني وساهمت في تعزيز مكانة وقوة ألمانيا الناعمة، وتستعين ألمانيا إلى جانب هذا الإرث الثقافي بمؤسسات تعمل على تقديم هذه الصورة للعالم الخارجي مثل معهد غوته وغيره من المؤسسات الثقافية التي تعمل في خطوط متوازية لدعم السياسة الخارجية الألمانية والتفويض هنا من الدولة لمؤسسات لخدمة عمل مؤسسي يقدم ألمانيا بالصورة اللائقة لمختلف شعوب العالم، ويعزز سياستها بالقوة الناعمة الثقافية.
يصدر في ألمانيا ما يقارب 80 ألف كتاب أو إصدار، سنويا، جديد، وبها حوالي 350 صحيفة يومية وآلاف المجلات فالتعددية الفكرية (ليست جريمة ولا سبب لقطع الرقاب كخطاب زمرة من إعلاميي هذا الوفد الإعلامي الفني). التعددية الفكرية هي أساس حياة ثقافية وفنية وإعلامية سليمة لا يواجهها أية عقبات أو عقوبات، ولا ترميها أسنة فاشية تدعى الفن والثقافة بخطابات الكراهية وإقصاء الآخر والرقص البلدي على جثث الخصوم السياسيين والمواطنين المختلفين.
في الحياة الإعلامية السوية الألمانية تعددية مصادر المعلومات مضمونة. تتمتع حرية الرأي والصحافة في ألمانيا بحماية دستورية حقيقة ( ليست حبرا على ورق) في دولة قانون وإجراءات وتعبر الفقرة الخامسة من الدستور الألماني عن فهم هذا الدستور لحرية الصحافة والاتصالات: "لكل فرد الحق في التعبير عن رأيه بالقول والكتابة والصورة، وله الحق في نشر هذا الرأي، كما له الحق في الحصول على المعلومات من المصادر المتاحة للعموم ودون أية عقبات.... ولا وجود للرقابة."
ولن تجد ميركل، مثلا، في حاجه لتعبئة طائرتها بزفة المعلم من تابعين ومريدين ولن تجرؤ على طلب هذا من مثقف أو إعلامي له مكانة أو مصداقية أو مهنية تقتضى أن يكون على مسافة من الحزب الحاكم حتى يستطيع أن ينتقده لخدمة الصالح العام ولدفع البلاد للأمام.
ونعود لفرقة الصاعقة الناعمة المصاحبة لزفة الإمبراطور، والتي تحترف إحياء حفلات الزواج الكاثوليكي لتزاوج السلطة والنخبوية المصطنعة والمتعالية، والتي تدور في فلك الحاكم الفرد، والتي تنأى بنفسها عن دورها الحقيقي بداية من قيمة عملها الثقافي ومرورا بالممارسات المهنية الموضوعية والمشاركة في صنع الوعي المجتمعي والدور النقدي القادر على فضح سياسات الظلم والفساد والقمع والاستبداد لتكون تلك الطبقة اللزجة بيئة حاضنة لكل مستبد ومتجبر ولا تكتفي تلك الطبقة بعزف سيمفونيات النفاق ولكنها تذهب في سلطويتها لتكون أكثر ملكية من الملك وتقمع بنفسها كل الأصوات المخالفة وتحرض بسلطوية أصولية قبيحة تصنع الجدران الأسمنتية أمام كل أمل فى تعايش أبناء الوطن.
والدليل الواضح كما ظهر مثلا في أداء التلفزيون في نقل أحداث ماسبيرو، السقطة الفجة التي ترجمت منهج تلك الأجهزة (أجهزة القوة الفاشية الناعمة) تلك الفجيعة التي أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن ماسبيرو وتيقن العالم إلى أي منحدر وصل بنا الحال وإلى أي مستوى من إدعاء المهنية.
وكانت الصدمة المتوقعة والتي قدمت صورة صادمة ومفجعه لصرح القوة الناعمة المصرية، وعبرت عن أفظع نموذج لإعلام الحرب و لما يمكن أن يكون عليه الإعلام الكاذب المضلل المشوه للحقائق والذي يذكي نار الفتنة والطائفية بين أبناء الشعب الواحد..
استخدمت قلعة ماسبيرو لإطلاق الدانات والسهام السامة والمنصات لإطلاق رسالة تحريضية وإثارة النفوس ضد المتظاهرين الأقباط، من خلال القول بأن الجيش المصري العظيم الذي حارب من أجل مصر يتعرض للقتل على أيدي فئة من أبناء الوطن وليس على يد إسرائيليين، -على حد قول المذيعة التي قامت بالتغطية- والتي لم يتم التحقيق معها أو إعطائها لفت نظر إداري حتى، وخرج وقتها المواطنون الشرفاء والمدرعة لقتل الخونة من المتظاهرين السلميين أعداء الوطن.
هكذا تعمل قلعة القوة الناعمة جاهدة وفائقة لراديو رواندا وهذا منهجها فى إدارة المعركة وشعارها (نحن لا ننقل فقط الأحداث القمعية والاستبدادية والقتل ولكننا نشارك في صنعه)
للأسف ماسبيرو ومنذ افتتاحه في أوائل الستينات كان قادرا أن يكون صرحا إعلاميا لقوة ناعمة حقيقة ورائدة في المنطقة العربية وبالفعل هناك الكثير من الأسماء البارزة ممن تخرج من مدرسة ماسبيرو فنيا أو إعلاميا كان لديهم قدرات مهنية قوية التحقت بعد ذلك للعمل فى قنوات عربية وعالمية.
ففي قناة الجزيرة مثلا، اتفقت أو اختلفت مع سياستها التحريرية ولكنك لن تستطيع أن تنكر أنها ساهمت بجهد إعلامي كبير ومهني في تغيير الواقع الإعلامي العربي، وانطلقت من شعارها ( الرأي والرأي الآخر ) لتكون واحدة من أكثر القنوات العربية مشاهدة وكذلك مجموعة قنواتها بالإنجليزية ومراسليها في معظم بلدان العالم أضحت بالفعل قوة ناعمة لا يمكن الاستهانة بها وتستمع من سياسيين غربيين أنها المصدر الرئيسي لهم لمتابعة أخبار العالم العربي.
وقد كانت أزمة توقيف صحفي الجزيرة أحمد منصور في ألمانيا جولة لتنتصر فيها القوة الناعمة الحقيقة، والتي استطاعت بعمل وجهد مهني أن تفرض احترامها واحترام منتسبيها أمام العالم الغربي بل والعالم كله انتصرت المهنية وحرية الإعلام وشجاعة الطرح، وعزز هذا الانتصار حقوق كل المدافعين عن حرية الرأي والتعبير ممن تضامنوا مع هذه القضية وانتصر كل من يجتهد بشجاعة في عمله ليترجم واقع عالمه وخسرت منصات إطلاق صواريخ التحريض الغير مهني.
الفن رسالة و أداة تواصل بين الشعوب , و شخصية الفنان و شعبيته عند الناس يكتسبها من أدواره الفنية و مواقفه فيها اجتماعية كانت أم سياسية تاريخية أو دينية , كلها تترسخ في أذهان الناس , لكن بعد الثورة اتضح أن أغلبية الممثلين المصريين المعاصرين هم مجرد ممثلين " مشخصاتية " يعني , أدوارهم لا تمثلهم و مواقفهم فيها لا تعبر عن قناعاتهم , و بالتالي يتنصلون منها كلما دعت الحاجة , الفنان محمد صبحي الذي تابعت بشغف كل مسرحياته و خصوصا " مسرحية تخاريف " و " وجهة نظر " و التي تنبأ فيهما عن الواقع الذي تعيشه مصر الحبيبة , ترى يا أستاذ صبحي هل كانتا روايتين تستحقان أنني شاهدتها مرارا و تكرارا , أم كانت مجرد تخاريف !؟ , هل تذكر يا أستاذ صبحي في " وجهة نظر " مشهد الشاشة التي كانت من غير صورة و الإليكترونات التي استدللت بها أنها " صوت بس " هل فعلا كنت صادقا في المشهد أم أنها كانت مجرد وجهة نظر و راحت لحالها !؟ .
نحن العرب أحببنا مصر و أهل مصر و لهجة مصر و تعلمناها , و رسمنا لكم أيها الفنانين في ذاكرتنا مكانا و مكانة , أسقطتموها في أدواركم على أرض الواقع , بعدما كنا نشاهد الفيلم المصري بناء على أسماءكم الكبيرة التي كانت تملاء الشاشة , أما اليوم فقد أصبحنا نشاهد الفيلم المصري أو المسرحية المصرية بعد أن نتأكد من عدم وجود أسماءكم على " التتر
لم أشك لحظة في أن الإعلامي أحمد منصور سوف لن يسلم لنظام الإنقلاب , و كنت متيقنا من أن الحكومة الألمانية سوف تستفيق في الوقت المناسب من تلك الغفوة السياسية و الزلة القانونية اللتان كادتا توديان بمستقبل ميركل و حزبها , و كادتا تدخلان الدولة الألمانية في شبهة شراكة مع نظام انقلابي صخر القضاء لتصفية خصومه السياسيين بالإعدام " شنقا " , فتداركت ميركل فورا هذا الخطأ الفادح فأنقذت نفسها و سمعة بلادها .
دخل منصور ألمانيا بحثا عن الخبر , فأضحى خبرا , دخل السجن في غفلة من الحكمة عند الساسة , فأوصل قضية بلده إلى تخوم السجون , فكانت قصة ذات شجون , قدم له السجان الألماني إكراما له برنامجه المفضل " شاهد على العصر " مع عبد الفتاح مورو , قائلا : يا أحمد ,أقدم لك برنامجك المفضل , ذهل المساجين الألمان من وقع النازلة التي ألمت ببلدهم حيث صدم سجين جنائي كيف يسجن إعلامي في قضية تعبير عن الرأي على أرض تتغنى بحرية التعبير و حرية الرأي , ضج السجن بالمساجين العرب دعما للشرعية في شخص أحمد منصور , فرب ضارة يا أحمد نافعة , و خرج منصور منصورا و اندحر الطغيان مذموما مدحورا , و ذهل رجال الأمن في الشارع من هذه النازلة التي لم تكن على بالهم , عندما رأوا الجالية المصرية و العربية تصطف دعما للحريات و الشرعية , فأركبوه سيارة مصفحة ليتخلصوا من هذا الزائر " المزعج " هذا الزائر الذي دخل السجن صحفيا فخرج منه زعيما سياسيا .
و عاد أحمد منصور إلى أهله مسرورا يتمطى , و نزل ضيفا على برنامجه " بلا حدود " بعد أن أسقط الحدود في ألمانيا بين الواقع الغربي و الخيال العربي , أفاق من أفاق و افتضح من افتضح , و غنت الربابة بفضائح الغباء السياسي المركب العابر للقارات , و ابتسمت فيروز , الإعلامية المرموقة و نجمة النجمات في جزيرة العجائب و الغرائب , فلو لم نخرج من هذه الفضيحة الدولية إلا بابتسامة فيروز زياني لاكتفينا ,حيث ألقت و تخلت عن السمت الرصين و المهيب وابتسمت ابتسامات ملأت الشاشة بهجة و جمالا , و حاورت المحاور المحنك بحرفيتها و مهنيتها المعروفتين عنها و المعهودتين , فأجاب على الأسئلة كضيف بدرجة محاور متمكن , يقيم السؤال و يرد باسترسال مناسب , مراعيا للوقت , بموضوعية مهنية لا تقل حنكة و مهنية عن كاتبة هذا المقال أعلاه , الأستاذة نيفين ملك , و لا أشك أن تلك الحلقة قد شاهدتها ميركل خفية دون أن تراها المعارضة , و هي تتحسر على عدم تعلمها اللغة العربية و خصوصا اللهجة المصرية الجميلة , لأن أحمد منصور و بما أنه كان ضيفا على برنامجه فقد تحدث بلهجته الوطنية , كي لا تفهمه ميركل و يفهمه الناطقون بلغة الضاد العربية و الجيم المصرية فقط .
كان نصرا مؤزرا لأحرار مصر , و سبقا صحفيا بامتياز لأحمد منصور , و فضيحة " بجلاجل " لميركل , و هزيمة سياسية للنظام الإنقلابي , و انتحارا لا إراديا لإعلام الإنقلاب . ,