نشرت صحيفة
لوموند الفرنسية تقريرا حول أوضاع
الشباب الجزائري بعد عام من إعادة انتخاب بوتفليقة، قالت فيه إن هذا الشباب في معظمه ليست له أي طموحات داخل بلاده، ولا يملك أي ثقة في النظام السياسي ومستقبل البلاد، وهمه الوحيد هو الهجرة نحو أوروبا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي نشرته "
عربي21"، إن الشاب صهيب (21 سنة)، على غرار أغلب الشباب الجزائري، لا يفكر في أي شيء غير الهجرة نحو
فرنسا، حيث يعمل هذا الشاب حلاقا تحت التدريب في محل حلاقة على ملك صديقه سمير، ويقول: "إذا كنت تملك حرفة معينة في يديك، مثل الحلاقة أو الطبخ، فإنك ستحصل على عمل بسهولة في أوروبا".
وأضافت الصحيفة أن الكثيرين من أصدقاء صهيب غادروا البلاد خلال السنوات الأخيرة، خاصة خلال سنتي 2009 و 2010 ، اللتين نشطت فيهما عمليات الهجرة السرية انطلاقا من السواحل الجزائرية، ولكنه يأمل في الحصول على فيزا والوصول إلى هناك دون تعريض نفسه لخطر قوارب الموت، فهو يملك أقارب في باريس، وقد سافر مرتين في السابق لزيارتهم هناك. ورغم أنه يسمع الأحاديث حول صعوبة حياة المهجرين في أوروبا، يقول صهيب: "حلمي ليس في الجزائر".
وذكرت الصحيفة أن الكثرين من أمثال صهيب لا يفكرون ولو لوهلة في البقاء في بلادهم، فقد أعلنت السلطات الجزائرية في بداية شهر تموز/ يوليو عن التصدي لعدد من رحلات الهجرة السرية، فيما يتمكن الكثيرون من الوصول عبر قوارب الموت، أو يحصلون على فيزا لقضاء أسابيع، ويبقون هناك لسنوات.
ونقلت في هذا السياق عن حكيم حداد، الناشط في جمعية "التجمع من أجل الحركة الشبابية"، إن "الشباب الجزائري يعيش حياة بائسة؛ لأنه يئس تماما من المستقبل، ولا يملك أي ثقة في الطبقة السياسية، ولهذا يبحث عن حياة جديدة وراء البحار.
وفي المقابل، أشارت الصحيفة إلى أن البعض الآخر من الشباب يفضل البقاء في بلاده، رغم كل الصعوبات التي تعترضه، ويقول معاذ (29سنة)، الذي يتميز بحيوية ويحظى بشعبية كبيرة في الحي، "إنه على الأقل في الجزائر يضمن الحصول على الطعام، والمسكن. ويمكن للإنسان أن يتدبر أموره رغم كل شيء".
كما نقلت في السياق ذاته عن عبيدة (30 سنة)، أن الجميع هنا يمكنه الحصول على عمل إذا كان يتحلى بالقناعة، فهو يعمل في محل لبيع السجائر، رغم أنه كان يحلم بأن يصبح صانع مرطبات. ويقول: "أريد القيام بدور إيجابي في المجتمع، دور أفضل من بيع السجائر، ولكن عندما حاولت الانطلاق نحو الحياة المهنية وتحقيق أحلامي، قابلت العديد من العراقيل، بسبب البيروقراطية والإهمال الإداري، ووجوب دفع الرشاوي للحصول على المعاملات الإدارية، وإجبارية الاعتماد على الوساطات".
كما نقلت الصحيفة عن مغني الراب، عبد الخالق، إن "الشباب يعاني من الفراغ والإهمال، رغم أن الجزائر بلد غني بالبترول والغاز، وكان يفترض أن تكون الآن مثل مدينة دبي، ولكن الدكتاتورية تتحكم فيها. الدولة الجزائرية هي مجرد عصابة مافيا تحمل علما".
وقالت الصحيفة إن هذا الجيل من الشباب شاهد في فترة صغره في سنوات الألفين أموالا طائلة من العائدات النفطية تتبخر؛ فالتقديرات تشير إلى أن الجزائر حصلت خلال العشرية الأخيرة على حوالي 800 مليار دولار من مداخيل النفط والغاز، ورغم تظاهر الدولة بتطوير البنية التحتية، فإن أغلب الأموال ذهبت إلى جيوب الطبقة السياسية والعسكرية التي تحكم البلاد بقبضة من حديد منذ الاستقلال.
وأضافت أن أغلب الشباب الذين قابلتهم لا يعلمون شيئا عن حالة رئيسهم، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يعاني من مرض عضال منذ سنة 2013، وتمت إعادة انتخابه للعهدة الرابعة رغم حالته الصحية المتدهورة. وهو اليوم غائب تماما عن المشهد السياسي، وبعض الشباب يؤكد أنه لم يشاهده يخاطب الشعب منذ ثلاث سنوات.
وبحسب الصحيفة، فإن الشباب الجزائري يكتفي بالسخرية من الطبقة السياسية، التي لا تقل الأعمار فيها عن سبعين سنة، ويصف هؤلاء السياسيين بالمومياءات، كما أنهم لا يشاركون في التصويت، ولا ينشطون ضمن أي حزب سياسي، لأنهم شاهدوا أن الرئيس كان الغائب الأبرز عن الحملة الانتخابية، ونسبة الإقبال على التصويت كانت ضعيفة، ويعتبرون أن الأمور كانت محسومة مسبقا.
وقالت الصحيفة إن الشباب الجزائري استقال من الحياة السياسية منذ العشرية السوداء التي طبعتها أحداث العنف بين الجيش والمجموعات المعارضة، ونقلت في هذا السياق عن حكيم حداد: "إنه رغم المخاطر في تلك الفترة، كان الشباب يخرجون للتظاهر وهم غير واثقين إن كانوا سيعودون أحياء أم لا، لقد كانوا مصممين على تغيير الأوضاع، ولكن بمرور السنوات، تم غلق كل منافذ الحرية والتغيير، بالقوانين والتضييقات، وأدى تغول الحكام وأصحاب المال إلى استقالة الشباب نهائيا من الخوض في الشأن العام.
وفي الختام، نقلت الصحيفة تساؤل عبيدة: "في فترة هواري بومدين بين 1965 و1978 كان الأمر مختلفا، كنا على الأقل نعرف أن عدونا هو فرنسا، وكنا نحاربه. ولكن اليوم من نحارب؟ دولتنا؟"
للاطلاع على التقرير الأصلي، انقر
هنا