عندما أعلنت الحكومة
العراقية في بداية نيسان/ إبريل، عن إخراج مقاتلي
تنظيم الدولة من مدينة
تكريت، تجددت الآمال بقرب استعادة مدينة الموصل، ثاني كبريات المدن العراقية.
وتقول صحيفة "إندبندنت" البريطانية، في تقرير لمراسلتها كاثي أوتين، إن سكان المدينة يعتقدون أن النصر الذي حققته الحكومة العراقية، بدعم من
مليشيات الحشد الشعبي والطائرات الأمريكية كان فارغا، ولا يزال سكان المدينة عالقين في شمال العراق، ولا أمل لهم بالعودة إلى بيوتهم التي دمرت وحرقت في سلسلة من العمليات الانتقامية التي قام بها مقاتلو الحشد الشعبي.
وتقول أوتين إن عملية "تحرير" مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين، رفعت آمال سكانها بالعودة إليها، ومنهم فضيلة محمود، التي هربت منها صيف العام الماضي، عندما تقدم مقاتلي تنظيم الدولة إليها.
وينقل التقرير عن محمود قولها: "شعرت بالبهجة، وفكرت أنني سأعود إلى بيتي". لكن عائلة محمود المكونة من ثمانية أشخاص لا تزال تنتظر في كردستان العراق، التي تبعد 160 ميلا إلى الشمال من تكريت، والسبب هو استمرار سيطرة المليشيات الشيعية التي هاجمت المدينة عليها.
وتشير الصحيفة إلى أنه بعد خروج مقاتلي التنظيم من المدينة، تلقت فضيلة مكالمة من جارها، الذي يعمل في الشرطة المحلية، وقال لها: "ارى دخانا ينبعث من بيتك". وبعد ذلك تلقت صورة تؤكد أن بيتها في حي الدور جنوب تكريت قد تم حرقه. وتعتقد أن المليشيات الشيعية هي المسؤولة عن الحريق، وتقول: "وبعد ذلك غيرت رأيي (بالعودة إلى البيت)، لم نكن مع تنظيم الدولة، فلماذا يحرقون بيوتنا؟".
وتلفت الكاتبة إلى أنه في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة العراقية حملة لاستعادة الأنبار، فإن سكان المحافظة يشعرون بأنهم سيلقون مصير سكان تكريت ذاته. ولا يزال أكثر من 200 ألف من الذين هربوا من الرمادي بعد سيطرة التنظيم عليها مشردين.
ويذكر التقرير أنه بعد دخول المليشيات الشيعية إلى مدينة تكريت، انتشرت التقارير التي تتحدث عن قيام مقاتلي الحشد الشعبي بعمليات نهب وإعدامات فورية. وفي كل مرة يحقق فيها المقاتلون الشيعة انتصارات على تنظيم الدولة، يقومون بعمليات انتقامية في المناطق السنية. ورغم نفي قادة المليشيات هذه الاتهامات، وتعهدهم بالعمل على منعها، إلا أن ذلك لن يخفف من مشاعر السنة ومخاوفهم من الحكومة الشيعية في بغداد.
وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم مجلس عشائر صلاح الدين مروان الجبارة، قوله إن أخطاء ارتكبت بعد استعادة مدينة تكريت، ويضبف أن "هذه حرب، وترتكب فيها أخطاء، حتى من أفضل الجيوش".
وتبين أوتين أن الجبارة قد برر عدم السماح لعائلات تكريت بالعودة إلى بيوتهم، معللا ذلك بأن "الوضع الأمني حول المدينة لا يزال غير جيد، وقد تم تدمير البنية التحتية". وأضاف: "يريدون منع تنظيم الدولة من إرسال مقاتليه مع العائلات العائدة إلى تكريت".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن عائلة محمود لا تزال عالقة في مدينة الشقلاوة، وتكافح من أجل دفع إيجار البيت. واضطرت فضيلة إلى بيع حلق حفيدتها، البالغة من العمر أربعة أعوام؛ كي تستطيع شراء مكيّف يخفف حر الشقة. وقال جيران لابنها إن عودته إلى تكريت غير آمنة؛ بسبب مشاركة والده، الذي كان عقيدا في الجيش العراقي، في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي.
وتورد الصحيفة قول فضيلة: "فقدت الأمل، ولا أعتقد أنني سأعود إلى بيتي أبدا". مشيرة إلى أن العائلة ستضطر للانتقال والعيش في خيمة في واحدة من البنايات التي لم تكتمل، بعد أن ينفد المال الذي بحوزتها.
وتقول الكاتبة إن قصة فضيلة عادية، ولا تختلف عن بقية العائلات التي فرت من تكريت، التي اضطرت لبيع مقتنياتها الثمينة لمواجهة متطلبات الحياة، والعيش في بيوت مؤقتة.
ويروي التقرير قصة رائد صالح (52 عاما)، الذي فرّ من تكريت، وقد ألقى تنظيم الدولة القبض على ابنه، واتهمه بتناول الكحول، ويقول إنه "اعتقل بعد دخول التنظيم، وقتل الكثير من الناس، ولم يكن أي من مكاتب الحكومة عاملا، وكان الكل في المدينة يحمل السلاح، حتى الأطفال".
ويضيف صالح للصحيفة: "قمت باتصالات من الصباح إلى المساء" لأشخاص يعرف أنهم انضموا إلى تنظيم الدولة حتى أفرج عن ابنه.
وبحسب الكاتبة، فقد استأجرت العائلة الآن بيتا صغيرا في كردستان، أما عن بيت صالح في تكريت فقد نهبته جماعات مسلحة، بعد استعادة المدينة مباشرة، ويقول صالح: "أعرف صديقا في الحكومة المحلية قال لي لا تعد، فإن الوضع خطير. وتقول الشرطة إن العودة ممنوعة، وأثق بها، لكنها لا تملك سلطة لمنع المليشيات".
وينوه التقرير إلى خشية صالح من عمليات انتقامية جديدة تقوم بها المليشيات الشيعية، خاصة في حالة تحول موقع قتل تنظيم الدولة لـ 1700 من مجندي الجيش العراقي في معسكر "سبايكر"، إلى مزار، ويقول: "إن حدث ذلك فسيقومون بتدمير كل شيء في تكريت انتقاما".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول المحامي ومؤلف كتاب "المعركة على مستقبل العراق" زياد علي، إن خطة إعادة المهجرين إلى المدينة، بإشراف من الشرطة والقوى المحلية، لم يتم تطبيقها أبدا، خاصة أن "الجماعات المسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة، ولا تستطيع التحكم بها".