بالتزامن مع الحركة النشطة للوفود الأوروبية التي تتقاطر بين الحين والآخر على قطاع
غزة المحاصر والمدمر بفعل الحروب الإسرائيلية المتتالية؛ تدور أسئلة كثيرة في خواطر الغزيين، وأمنيات عديدة يتمنون تحقيقها، من خلال وساطة تلك الوفود، التي كان آخرها الوفد الألماني برئاسة وزير خارجية ألمانيا فرانك شتاينماير.
ووصل
وفد ألمانيا اليوم الاثنين إلى قطاع غزة، عبر معبر بيت حانون (إيرز) شمالي قطاع غزة، حيث كان شتاينماير قد اجتمع أمس السبت برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأكد له أن "ضمان أمن إسرائيل مرتبط بازدهار غزة".
وعبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في بيان لها، عن ترحيبها بزيارة وزير الخارجية الألماني والوفد المرافق له، واصفة إياها بأنها "خطوة مهمة ربما تساهم في إنصاف الشعب الفلسطيني"، ولم يتطرق البيان لأية تفاصيل أخرى.
وساطة وصفقات تبادل
وفي الأثناء؛ استحضر مختصون الدور البارز الذي لعبته المخابرات الألمانية في إتمام العديد من صفقات تبادل الأسرى بين
الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، بالإضافة إلى تمثلها دور الوسيط مع الجانب
المصري في إتمام صفقة "وفاء الأحرار" في عام 2011، بين الاحتلال وحركة حماس.
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة، أن "ضغوطا وتوجيهات إسرائيلية وغربية تقف وراء زيارة الوفد الألماني؛ لإيجاد مخرج ما لحالة
الحصار المتصاعدة في قطاع غزة، وحلحلة عملية الإعمار".
وأضاف لـ"
عربي21" أن هذه الزيارة "استكمال للجهود السويسرية المتعلقة بالبحث في التوصل لهدنة أو تهدئة"، واصفا إياها بأنها "بارقة أمل لقطاع غزة".
وتأتي الجهود الأوروبية في الوقت الذي تشير فيه تقديرات استخباراتية إسرائيلية إلى أن "انفجارا وشيكا ربما يقع في قطاع غزة، بسبب المعاناة الكبيرة التي يعانيها الغزيون، خاصة وأن محاولة إقناع النظام المصري الحالي بقيادة عبدالفتاح السيسي، بالتدخل لوقف اعتقال الاحتلال محرري صفقة شاليط؛ لم تثمر"، بحسب أبو زايدة الذي يعتقد أن السيسي "يخشى من التوصل لهدنة من خلال الاتصال المباشر أو غير المباشر مع قطاع غزة".
ورجح أبو زايدة أن يتم "تناول ومناقشة قضية الجنود الإسرائيليين المفقودين في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، خاصة وأن ألمانيا لعبت دورا كبيرا في إتمام صفقة الجندي الإسرائيلي شاليط؛ من خلال مفاوضات استمرت لسنوات"، مستبعدا أن يتم التطرق حاليا للحديث في هذا الموضوع عبر وسائل الإعلام.
وأضاف: "المفاوضات من أجل إتمام
صفقة تبادل جديدة طريقها طويلة، وربما تكون هذه الزيارة هي بداية هذه الطريق، ونقطة الانطلاق"، مؤكدا أن الألمان "قادرون على إنجاز صفقة جديدة، لكن الأمر ليس هينا" على حد قوله.
وقال أبو زايدة أن ألمانيا هي "الضامن الثاني لتفوق إسرائيل النوعي والعسكري والأمني، ومن المؤكد أن هذه الزيارة تأتي بتنسيق كامل مع دولة الاحتلال"، منوها إلى أن هناك "أطرافا فلسطينية وإقليمية غير راضية على الإطلاق عن قدوم وزير الخارجية الألماني لغزة، لكن الاحتلال في النهاية يبحث عن مصالحه وأمنه، ويسعى لتأجيل انفجار ربما يكون وشيكا".
غزة "برميل بارود"
شبّه وزير الخارجية الألماني، فرنك ولتر شتاينماير، قطاع غزة، بـ"برميل بارود"، داعيا إلى عدم السماح له بالانفجار.
ووصف شتاينماير الذي وصل إلى قطاع غزة، صباح الاثنين، خلال مؤتمر صحفي عقده في ميناء غزة الأوضاع داخل القطاع، بالقاسية جدا.
وقال إن "الوضع بغزة قاسٍ جدا، ولا يجوز أن يستمر أبدا، القطاع برميل بارود، ولا يجوز أن ينفجر، أو السماح بذلك".
وأضاف وزير الخارجية الألماني، إنه يعمل مع مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين على تغيير "الواقع المأساوي" في قطاع غزة، ومنع تكرار حرب أخرى.
وتابع بأن "الوضع هنا ليس سهلا، رأيت الدمار، والتقيت مع أناس فقدوا بيوتهم وعملهم، وسنستمر في تقديم المساعدات لهم، وتوفير حياة كريمة لهم".
ودعا وزير الخارجية الألماني، إلى فتح كافة المعابر التجارية، وتحسين الوضع الاقتصادي، والبدء في استثمارات من الداخل والخارج.
تراجع الدور المصري
من جهته، أكد الخبير في الأمن القومي، إبراهيم حبيب، أن الوفد الألماني رفيع المستوى جاء بدافع الوساطة بين
حركة حماس وبين الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً في ما يتعلق بملفي الأسرى والهدنة، مشيرا إلى أن "الاحتلال بات يدرك أنه لا يمكن التعويل على جهود مصر للوساطة بينه وبين حماس".
وقال لـ"
عربي21" إن "ورقة مصر سقطت من هذا الملف، إضافة إلى أن الاحتلال لا يريد أن تلعب قطر أو تركيا دور الوسيط في ملف تبادل الأسرى أو الهدنة، ومن هنا جاء البحث عن لاعبين دوليين كان لهم سابقا أدوار في مثل هذه الصفقات، فوقع الاختيار على ألمانيا".
وأضاف حبيب أن قدرة الوسيط الألماني على إنجاز صفقة تبادل جديدة "ترتبط بمدى جدية الطرف الإسرائيلي؛ لأن المقاومة شروطها واضحة في هذا الشأن، وهي تريد تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين".
وأوضح الخبير في الأمن القومي أن "فشل الاحتلال في التعرف على مكان شاليط؛ جعله يدرك أنه لا يستطيع أن يصل إلى أسراه، فتجربته مع حماس أثبتت أن إطالة المدة ستكون على حساب معنويات الجيش الإسرائيلي وجبهته الداخلية"، مشيرا إلى أن الاحتلال "حتى هذه اللحظة لا يعرف أية تفاصيل عن جنوده؛ كم عددهم؟ وهل هم أحياء أم أموات؟".
وبيّن أن "المقاومة الفلسطينية تحافظ على سرية هذا الملف في سبيل استثماره، خلال المفاوضات التي ستجري، وستكون طويلة"، موضحا أن "انفتاح حماس وقيادتها على المحافل الدولية، وخصوصا الأوروبية؛ جعل الأوروبيين يعتقدون أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالحديث إلى حماس".