قالت صحيفة "الغارديان" إن عمدة
طهران قرر أن يتخلى عن الملصقات واللوحات الإعلانية، التي كانت تنتشر في العاصمة وتحمل عبارات "الموت لأمريكا"، وقد حلت محلها لوحات لماتيس وبيكاسو.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن اللوحات الإعلانية التي كانت تعلن عن كل شيء، مثل البطاطا المقلية والجبنة وأثاث البيت، كانت تحمل صور قتلى
الثورة الإيرانية مع العراق في الفترة ما بين 1980-1988، كما كانت تحمل عبارات مختارة لأقوال الرموز الدينية. والملصق الإعلاني الذي يمثل حضورا دائما في الشوارع الإيرانية هو "الموت لأمريكا".
ويقول مراسل صحيفة "الغارديان" سعيد كمالي دهقان، إن هناك عملية تغيير تجري لوجه العاصمة، ففي مشروع يأمل من خلاله عمدة المدينة بأن يشجع الناس على زيارة المتحف، استبدل الملصقات الإعلانية بأعمال فنية رسمها فنانون محليون وأجانب.
وتبين الصحيفة أن العشرة أيام الماضية شهدت وجها جديدا للعاصمة الإيرانية، حيث انتشرت لوحات بابلو بيكاسو وهنري ماتيس ورينيه ماغريت، بشكل جعل العاصمة معرضا مفتوحا للوحات الفنية.
ويلفت التقرير إلى أن الشعارات الدينية لقادة الثورة، التي كانت تزين الطريق السريع "مداربس"، استبدلت بلوحات لإدوارد مانش ورائعته "الصرخة". وفي شارع آخر علقت لوحة الفنان البلجيكي ماغريت "ابن الأب"، إلى جانب لوحة للفنان الإيراني المعروف صهراب سبهري، وليس بعيدا عنها لوحة طبيعية للفنان البريطاني ديفيد هوكني، التي عرضت في الأكاديمية الملكية للفنون في لندن قبل ثلاثة أعوام.
ويقول الكاتب إن اللوحات الفنية هي جزء من 1500 لوحة إعلانية تنتشر في شوارع العاصمة المختلفة، حيث تعرض 700 لوحة فنية، تتضمن نسخا من لوحات فنية إيرانية وسجاد وأعمال خط ولوحات فنية أخرى.
وتذكر الصحيفة أن العمدة أطلق على المشروع "عرض فني كبير كبر المدينة"، وقد لاقى المشروع استحسان الناس، وعبر الصحفي الإيراني الذي يعمل في الصحيفة الإصلاحية "شرغ"، صدرا محقق، عن فرحته قائلا: "أِشعر بالفرحة، فمن المثير مشاهدة اللوحات الإعلانية، التي تعلن عن الغسالات والبنوك، وقد استبدلت بلوحات لرمبرانت وسيزان وبيكاسو، ليس هناك ما هو أفضل من هذا".
وينقل التقرير عن محقق قوله: "لمدة عشرة أيام، أخذ الناس إجازة من هذه الإعلانات الاستهلاكية كلها، ما سيؤثر على ذائقة الناس البصرية بطريقة إيجابية".
ويورد دهقان أن محمد بابي، الذي يعيش في طهران، يشعر بالفرحة لهذه الأعمال التي لم يرها من قبل، ويقول: "لم أسمع أبدا عن بارج هولرز ولوحته (فولغا)، ولكنني أشاهد اللوحة الكبيرة في طريق همت السريع". وتقول إلهي خسروي إنها فركت عينيها مرتين، ولم تصدق المنظر، وتضيف: "عندما صحوت هذا الصباح، حدث شيء غريب" . وقالت لموقع "خبر أون لاين": "شعرت بأنني أحلم، ولم أصدق ما شاهدت، لقد تحولت طهران إلى متحف".
وترى صحيفة "شرغ" أن الفن قد حوّل طهران إلى لوحة فنية ضخمة، مبينة أنه "تحرك يستحق الثناء؛ لأنه مهرجان من اللون والحركة".
وتنقل الصحيفة عن مدير المشروع مجتبى موسوي، قوله إن معظم اللوحات الإعلانية الموزعة على شوارع العاصمة تديرها شركات خاصة، مضيفا أن تلك الشركات "لم تكن مرتاحة في البداية للفكرة ولإغلاق المساحات المخصصة لإعلاناتها لمدة عشرة أيام، ولكنها وافقت في النهاية؛ لأنه نشاط ثقافي".
ويقول موسوي للصحيفة: "كانت لدينا حرية لاختيار أعمالنا، ولكن كانت هناك بعض الخطوط العامة؛ فقد أردنا قطعا فنية إيرانية وعالمية، على أن تكون نسبة 70% من الأعمال الفنية إيرانية، والنسبة المتبقية لعالم الفن الخارجي".
ويرى جمال كامياب من بلدية طهران، التي تدير المشروع، أن الغرض من المشروع هو تشجيع الناس للذهاب إلى المتاحف والمعارض الفنية أكثر، ويقول: "لسوء الحظ لا يزور الناس المتاحف أو المعاهد الفنية، كما هو متوقع". وقد نظم المعرض واختار اللوحات الفنان والنحات الإيراني سعيد شهلابور، بحسب التقرير.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن لدى طهران ثروة فنية غير معروفة؛ فمتحف الفن الحديث في طهران لديه أفضل مجموعة للفن الحديث غير متوفرة في أوروبا والولايات المتحدة، ولديه أعمال فنية لجاكسون بولوك وأندي وورهول وفرانسيس بيكون ومارك روثكو ومانش وماغريت. ولكن اللوحات الفنية كان يعلوها الغبار في قبو المتحف منذ 30 عاما. وقد اعتبر الرقيب الإيراني بعض اللوحات إباحية وأنها "شاذة جدا"، ولم يتم عرضها أبدا.
ويذكر دهقان أن هناك بعض اللوحات قد عرضت إما مرة أو مرتين؛ ففي آب/ أغسطس 2012، عرضت مجموعة من اللوحات لأول مرة في معرض للفن الحديث، وعرضت لوحات وارهول وهوكني وروي ليشتنشتاين وفيكتور فسارالي وريتشارد هاميلتون وجاسبر جونز.
وتكشف الصحيفة عن أنه قد تم مصادقة السلطات على اللوحات الفنية التي وضعت على اللوحات الإعلانية قبل وضعها كلها. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وضعت سلسلة من اللوحات الإعلانية تتساءل حول مصداقية الولايات المتحدة في المحادثات حول المشروع النووي، وقد أظهرت لوحة مفاوضا إيرانيا يجلس على الطاولة وهو يتحدث وجها لوجه مع نظيره الأمريكي، وبدا الأمريكي نصف مدني ونصف عسكري ويحمل بندقية، وكُتب تحت الصورة "أسلوب المصداقية الأمريكي".
ويشير التقرير إلى أن عمدة طهران محمد باقر غاليباف قد غيّر وجه إيران في السنوات الأخيرة، وبنى جسورا جديدة وأنفاقا، ومناطق خضراء. وفي العام الماضي كشف غاليباف عن جسر عالي التقنية صممته المعمارية ليلى أرغايان، وقد نالت جائزة دولية على تصميمها.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن المتاحف والمعارض في إيران تواجه مصاعب عديدة، حيث يجب أن تحصل على إذن قبل أن تشرع أبوابها للعامة. وقد أغلقت السلطات في شباط/ فبراير معرضا للفن يعرض أعمال نيما بهنود، وقد اضطر الكثير من الفنانين لمغادرة البلاد بسبب الرقابة، وبينهم النحات بارفيز تانافولي. وقد طلبت مجلة فنية إيرانية خبراء لاختيار مئة فنان، لتسمية كبار الفنانين في إيران، فكان ثمانية من كل عشرة تم اختيارهم يعيشون في المنفى.