كل المؤشرات توحي بأن بشار
الأسد انتهى وأن ما يجري وراء الكواليس ليس سوى عملية مقايضة معقدة تتصل باقتسام
سوريا مناطق نفوذ مرحليا، ريثما تتضح صورة المستقبل الذي لا يمكن فصله عن الشكل الإقليمي الجديد، وخصوصا إذا تذكّرنا أن الحديث عن
تقسيم العراق بات علنياً وصريحاً.
لكن هناك فرقاً في الواقع الميداني وفي التوزيع الأتني بين العراق وسوريا، ولهذا تستعمل في الحديث عن سوريا الآن كلمة اقتسام بدلاً من تقسيم. والاقتسام قد يكون مرحلياً لترتيب الحصص والمصالح بين المقتسمين. ولهذا كان من الضروري ضخّ مقدار من دخان التعمية عبر المشاورات الجانبية التي يجريها ستيفان دو ميستورا في جنيف مع بعض الأفرقاء السوريين، التي لن تؤدي الآن إلى أكثر من تحضير المنبر في انتظار الإعلان عما يمكن أن يتوصل اليه المقتسمون وإعطائه شكلاً مشروعاً.
قبل أيام قليلة، ظهرت من طهران تحليلات غير رسمية تتحدث عن نقل العاصمة السورية دمشق إلى طرطوس واللاذقية. ومع أن المقربين من النظام سارعوا إلى القول بأن هذا الاقتراح بعيد عن الواقع، فإنه لا دخان بلا نار كما يقال، فبعد 24 ساعة برزت تقارير ديبلوماسية تتحدث عن مساعي أمريكية مع إيران تهدف إلى إجبار الأسد على التنحي!
طهران -على ما تردد- وضعت شروطاً محددة ثمناً لرأس الأسد، كضمان الحصول على الديون المترتبة عليه لمصلحتها، وعدم الادعاء على أي من الأطراف الإيرانيين الذين قاتلوا إلى جانبه، وتثبيت الملكيات العقارية التي حصلت عليها مقابل بعض الديون للنظام، والاعتراف بالهوية السورية التي أُعطيت لكثيرين من الإيرانيين الذين حاربوا مع الأسد!
كل هذا يأتي في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي عكست انهيارات متلاحقة لجبهات النظام، سواء في الجنوب، حيث صدّ "الجيش السوري الحر" الإيرانيين و"حزب الله"، وانتقل إلى الهجوم ليسيطر على بصرى الشام التي كانت مركزاً لـ"الحرس الثوري"، ثم جرى اقتحام معبر نصيب على الحدود الأردنية، أم في الشمال، حيث سقطت إدلب ثم جسر الشغور وباتت اللاذقية مهددة!
المعارضة ستجتمع في أنقرة، ومن المرجح إعلان الشمال منطقة آمنة، وبموافقة أميركية على ما يبدو، وفي الجنوب، تسعى دول عربية لجعله منطقة آمنة أيضاً، وهذا ما يجعل منطقة الساحل السوري مسرحاً لتجاذب النفوذ بين إيران وروسيا، والرهان ضمناً على إصابة عصفورين بحجر واحد الخلاص من الأسد، لفتح الباب واسعاً للخلاص من "داعش" والمتطرفين الإرهابيين.
من خلال كل هذا يمكن أن نفهم لماذا التركيز الكبير على المعركة من القلمون إلى دمشق، ذلك أن إيران التي تخشى سيطرة روسيا على الساحل السوري تحرص على إبقاء الكوريدور الذي يربط القلمون وضواحي دمشق بلبنان!
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)