هل هناك "صالبان
لبنان" مسيحية كنقيض مناظر لطالبان أفغانستان الإسلامية؟ سؤال يتردد بقوة مؤخرًا بصيغ مختلفة على صفحات التواصل الاجتماعي، على خلفية مواقف وتصريحات صدرت وتصدر عن جهات وشخصيات مسيحية لبنانية وُصفت بالمتطرفة.
لكن الثابت هو أن الدين المسيحي أولًا ينبذ التعصب والحقد، وأن معظم المسيحيين في لبنان ثانيًا منفتحون على العالم العربي بكل مكوناته، ولا سيما الغالبية المسلمة التي يتشكل منها.
أما الذي يظهر بين فترة وأخرى من حركات تنزع نحو الفكر الإلغائي والنقاء الطائفي، فهي إما سطحية لا قيمة لها ولا أرضية، إذا أتت من أوساط شبابية، ومبنية في الغالب على ردات الفعل على التطرف المقابل، أو القراءات المغلوطة لتاريخ المنطقة العربية، وإما دخيلة تعمل عليها مجموعات معينة تضم خليطًا من شخصيات تجمع بينها جينات استخباراتية، ومرتكزة في الأغلب إلى "أمر مهمة" خارجي برز بشكل سافر خلال السنوات العشر الأخيرة تحت عنوان "حلف الأقليات"، على أيدي أشخاص لطالما كانوا بعيدين عن التوجهات الوطنية العامة لكنيستهم، خصوصاً عندما كانت تقود التوجه الاستقلالي في البلاد، لدرجة أن بعض الكهنوت يصف هؤلاء الأشخاص الذين واجهوا كنيستهم وبطريركهم في الماضي، ويذهبون اليوم بعيدًا في المزايدات الطائفية، يصفهم بالمسيحيين الجدد.
وفي هذا المعنى يمكن اعتبار أن تشكيلة "صالبان" في لبنان مكتملة إذا استعرنا لهم التشابه مع "طالبان" في الاسم والتطرف ورفض الآخر، مع فارق لصالح "طالبان" هو أنها كانت تعمل لنفسها ولبرنامجها، فيما تعمل "صالبان" بالسخرة عند الآخرين. وهذا غيض أمثلة من فيض الوقائع:
ما كان محرماً على مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك نصر الله صفير في الماضي من رفض أي قانون انتخابي، لا يمكّن المسيحيين من إيصال نوابهم بأنفسهم إلى البرلمان دون تأثير الكتل الناخبة المسلمة، أجازه المحرِّمون لأنفسهم واقترحوا قانون انتخاب مستحضَرًا من العصور الوسطى يقضي بأن تنتخب الطوائف ممثليها بنقاء طائفي كامل.
ما كان يعتبر كفرًا بالوطن عندما كانت منظمة "القوات اللبنانية" ترفع شعار "أمن المجتمع المسيحي في لبنان فوق أي اعتبار"، تجاوزه المكفِّرون أنفسهم وباتوا يعلنون من مواقع نيابية وحزبية أن أمن المجتمع المسيحي في لبنان وسوريا والعراق فوق أي اعتبار.
تخوين الرئيس الأسبق للجمهورية بشير الجميل ثم قتله بتفجير عاصف، انقلب تفهمًا بل ثناء على نضال "الشيخ بشير" من حلفاء قاتليه من المسيحيين الجدد.
اتهام "صالبان" المزمن لنصف المسيحيين على الأقل بالعمالة لإسرائيل، حل محله اليوم اتهام بعضهم للمسلمين باحتلال فلسطين وليس اليهود الصهاينة.
كثيرة هي الأمثلة على استداراتهم المفاجئة إلى العمل المسيحي، وكثيرة هي الأمثلة في مدى التاريخ على توسل الأديان للاعتداء على البشر وحرياتهم، لكن "صالبان لبنان" وضعت يوضاس في المرحلة الابتدائية. وإذا كان من فضيلة لهؤلاء لا بد أن تذكر فهي أنهم ليسوا طائفيين ولا يستفزهم تهميش طائفتهم، فلطالما كانوا أدوات في محاولات تهميشها وتغييب زعمائها، لكنهم المتاجرون أبداً بالطوائف والدين.