نشرت صحيفة لاكروا مقالا للباحث الفرنسي كاميل غران، مدير المؤسسة الفرنسية للبحوث الاستراتيجية، حول الحرب الدائرة في
سوريا، أشار إلى أن هذا الصراع الذي انطلق بمظاهرات سلمية ضد نظام بشار
الأسد، في إطار سلسلة ثورات الربيع العربي، تحول إلى واحد من أكثر الصراعات دموية في القرن الواحد والعشرين، بعد أن تسبب حتى الآن في سقوط 250 ألف ضحية أكثر من نصفهم من المدنيين ومنهم 10 آلاف طفل.
وذكّر الكاتب بأن هذا الصراع شهد استعمال الأسلحة الكيمياوية في عدة مناسبات، وخلف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، أدى تدفقهم على الدول المجاورة إلى خلق مشكلات عديدة لهذه الدول، على غرار لبنان والأردن وتركيا، كما كان هذا الصراع سببا في تشريد 6.5 مليون شخص عن منازلهم داخل سوريا، في بلد يبلغ عدد سكانه 22 مليونا.
وذكر كاميل غران، في هذا المقال الذي اطلعت عليه "عربي21"، أن هذه الثورة التي بدأت سلمية نسجا على منوال الثورتين التونسية والمصرية، سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية بالغة الدموية تدور رحاها بين عدة أطراف، ما جعل المراقبين يستبعدون أن تضع أوزارها في القريب العاجل، خاصة مع عدم وجود أي طرف قادر على حسم المعركة لصالحه.
ورأى أن قسوة النظام السوري وسياسة القمع الممنهج التي يمارسها، أدت إلى انحدار الفصائل المعارضة له نحو التطرف، وسهلت على التنظيمات الأكثر تشددا استقطاب المقاتلين من الدول العربية والغربية، ما أدى إلى ولادة المارد الذي يسمى "داعش" (
تنظيم الدولة).
واعتبر هذا الباحث الفرنسي أن الوضع أصبح اليوم معقدا جدا في خضم هذا الصراع بين أطراف عديدة متدخلة بعدة طرق مباشرة وغير مباشرة، حيث أن النظام السوري لا يزال يسيطر على مناطق هامة في سوريا، بفضل الدعم الإيراني ومن ورائه الدعم الروسي.
وأكد أن هذا النظام يبدو أكثر من أي وقت مضى مجرد بيدق في يد طهران، في ظل سيطرة ميليشيات حزب الله وضباط الجيش الإيراني على الوضع الميداني، وارتباط بقاء النظام ببقاء هذا الدعم الخارجي.
وفي المقابل، أشار إلى أن المعارضة تعاني من الانقسام، وتعرضت لخسائر كبيرة بسبب القصف المتواصل الذي يشنه النظام، ما فتح المجال أمام تنظيم الدولة لتعزيز حضوره في المنطقة وتوسيع المساحة الخاضعة له في سوريا والعراق، وهي كلها عوامل جعلت من المعارضة السورية المعتدلة والأقليات المسيحية واليزيدية والأكراد الطرف الأضعف في هذا الصراع.
وأضاف أنه بعد مرحلة التردد أمام جرائم بشار الأسد، التي أكدها القرار الأمريكي بعدم تجريم استعمال الأسلحة الكيمياوية في سنة 2013، قرر الغرب التحرك ضد تنظيم الدولة، من خلال الدخول في تحالف مع الدول العربية لتوجيه ضربات جوية أدت على الأقل لوقف تقدم هذا التنظيم في العراق.
ورأى أن الحلول الدبلوماسية تبدو بعيدة، وأن الصراع يسير شيئا فشيئا على خطى حرب الثلاثين سنة التي شهدتها أوروبا خلال القرن السابع عشر وعصفت بالتحالفات والحدود القائمة. كما أشار إلى معاناة المدنيين الذين يعانون الحرمان من أبسط المساعدات الإنسانية، وتعمقت معاناتهم بسبب دموية تنظيم الدولة والنظام السوري.
وقال كاميل غران إن تعقيد الصراع الدائر ودمويته يجعلان السلام يبدو أمرا مستحيلا، ما دفع ببعض الأطراف الدولية لفتح باب الحوار مع بشار الأسد، أملا في حقن الدماء عبر قبول الحل الأقل سوءا. ولكنه رأى أن هذه الآمال مجرد أوهام، لأن النظام هو المسؤول الأول عن المجازر التي تم اقترافها وعن ظهور التنظيمات المتشددة.
وأشار الكاتب إلى أن الحل يمر حتما عبر إشراك بعض عناصر النظام السوري في مسار سياسي إلى جانب المعارضة المعتدلة، مع ضمان حقوق الأقليات الكردية والعلوية والمسيحية، حتى تكون سوريا الغد بلدا متعدد العرقيات والديانات في إطار نظام فيدرالي، حسب قول الكاتب الفرنسي.
وأضاف أن هذا المقترح تم تقديمه عدة مرات من قبل الوسطاء الدوليين، ولكنه اصطدم برفض بشار الأسد الذي لم يعط أي إشارة على استعداده للتخلي عن السلطة طالما أن حلفاءه يدعمونه. كما رأى الكاتب أن تنظيم الدولة ليس معنيا بهذا المسار أيضا، لأن "أيديولوجيته المتطرفة لا تتماشى مع التسويات السياسية"، فيما تعاني المعارضة من الضعف والانقسام بين شقيها الإسلامي والعلماني.
وخلص كاميل غران إلى أن الخيار الوحيد الذي يبدو منطقيا هو اعتماد خطة ثلاثية طويلة المدى، تتمثل في إضعاف تنظيم الدولة، بالتزامن مع تدعيم قدرات المعارضة المعتدلة، والبحث عن وسائل لعزل النظام وحرمانه من الدعم الخارجي.
وأكد أن إعادة تشكيل المشهد السوري وتغيير التوازنات القائمة على الميدان ستؤدي بالضرورة لحلحلة الوضع وخلق الظروف الملائمة للخروج من الأزمة، ولكن في ظل افتقاد هذا الخيار للدعم الفعلي من قبل القوى الفاعلة على المستوى العالمي والإقليمي، يبدو هذا الطريق نحو السلام بعيد المنال.