قالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن المقاتلين السوريين المعارضين لنظام بشار
الأسد هم في حالة هجوم، في الوقت الذي توحدت فيه جهود الداعمين الإقليميين لهم في جبهة تضع مواجهة نظام بشار الأسد أولوية لها.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أنه بعد عامين من الجمود على الساحة القتالية، والخسائر التي تعرض لها المقاتلون على يد النظام، بدأت فصائل المعارضة بتحقيق مكاسب رمزية، سواء على الجبهات الشمالية أو الجنوبية.
وتنقل الصحيفة عن الناشط السوري المقيم في العاصمة
السعودية الرياض صافي الحموي، قوله: "يريدون أن يشعر الأسد بالتفاف حبل المشنقة حول رقبته". وأضاف أن "المزاج هنا في السعودية قد تغير. ويقولون الآن إن لدينا حضورا وتأثيرا".
ويوضح التقرير أنه منذ أن بدأ المال الأجنبي يصل إلى النزاع عام 2012، ارتبط تقدم المقاتلين برغبات السعوديين والأتراك والقطريين، وهي الدول الإقليمية الداعمة لهم.
وتذكر الصحيفة أن المقاتلين ولأكثر من عام يشتكون من أن العمليات ضد نظام الأسد وتنظيم الدولة قد تعرضت للتخريب، واشتكوا من الاقتتال بين فصائل المقاومة، الذي جاء نتيجة للتنافس بين المقاتلين أنفسهم.
ويلفت التقرير إلى أن الرياض تركز الآن أكثر على
إيران، التي تعد المنافس الأكبر لها، كما أنها الدولة التي ينتشر تأثيرها في المنطقة. ففي العراق تقود إيران المواجهات ضد
تنظيم الدولة، وفي
سوريا تقوم بدعم النظام السوري، وفي اليمن تقدم الدعم للمتمردين الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، ويتحركون باتجاه الجنوب.
وتجد "فايننشال تايمز" أنه نظرا لشعور الرياض بالقلق من التأثير الذي تمارسه طهران، ولخوفها من إعادة تأهيل إيران بعد توقيع اتفاقية حول ملفها النووي، فقد بدأت المملكة تحت قيادة الملك سلمان بتجسير هوة الخلافات مع بقية الدول السنية، خاصة قطر وتركيا، من أجل مواجهة التأثير الإيراني.
ويفيد التقرير بأن وجهات النظر قد اختلفت بين تركيا والسعودية حول الإخوان المسلمين في بداية ثورات الربيع العربي عام 2011. ففي الوقت الذي دعمت فيه كل من تركيا وقطر جماعة الإخوان المسلمين، نظرت السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى هذه الجماعة الإسلامية على أنها تهديد لحكمهما، وعملتا على وقف نشاطاتها في المنطقة.
وتنقل الصحيفة عن لينا الخطيب من مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت قولها إن الرياض تشعر أنها أضعفت قدرة الإخوان منذ الانقلاب على الحكومة التي قادوها في مصر عام 2013، ويبدو أن الرياض الآن مستعدة للتعاون مع رعاة الإخوان المسلمين لتشكيل تحالف ضد إيران.
ويورد التقرير أن السعودية تقوم أيضا بترتيب البيت الداخلي، خاصة أن عددا من الأمراء دعموا المعارضة السورية المتشددة، أو تلك المعتدلة. فيما أوقف الملك عبد الله الدعم للمعارضة السورية؛ احتجاجا على غياب التفاعل الأمريكي مع سوريا، وتقول الخطيب إنه "صار واضحا أن هذا الموقف لا يضر بالسوريين فقط، بل وبالمصالح السعودية".
وتظهر الصحيفة أن عددا من المقاتلين السوريين يرون أن عاصفة الحزم، التي تقودها السعودية ضد الحوثيين، ما هي إلا إشارة إلى تصميم السعودية وحلفائها على دعم سوريا، وقد أدى هذا إلى تفعيل الساحة القتالية؛ ففي الشمال استطاع المقاتلون السيطرة على العاصمة الإدارية لمحافظة إدلب، التي تعد في قلب معقل المعارضة السورية، وفي الجنوب أحبطت جماعات المعارضة هجوما قاده النظام مدعوما من حزب الله والمستشارين العسكريين العاملين في الحرس الثوري الإيراني.
ويذهب التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المعارضة تهدف للسيطرة على مدينة درعا، وتبعد المدينة حوالي مئة كيلومتر عن العاصمة دمشق، وتعد مدينة مهمة لتخفيف الحصار عن العاصمة وضواحيها. ويقول أبو ماجد الزعبي من كتيبة اليرموك، التي تعد من أقوى الكتائب التابعة لتحالف الجبهة الجنوبية: "نحن قادمون لفك الحصار عن إخواننا، وسندق على أبواب دمشق".
وترى الصحيفة أن أي هزيمة للنظام السوري غير محتملة، فالدفعة القتالية من الدول الإقليمية تهدف إلى موازاة معادلة الحرب، ودفع الأسد إلى طاولة المفاوضات. ويقول إميل هوكاييم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين: "علينا ألا نبالغ في تقدير مكاسب المعارضة؛ لأنه لم يحدث أي تغيير على الدينامية".
ويستدرك التقرير بأنه لأول مرة تتزامن عملية التقدم في جبهة الشمال مع جبهة الجنوب؛ وهذا راجع إلى التنسيق بين غرفة عمليات تركيا، التي تستخدمها تركيا وقطر، وغرفة عمليات عمّان- الأردن، التي تستخدمها السعودية والدول الغربية. وغالبا ما اشتكى المقاتلون في العامين الماضيين من وقف التمويل والإمدادات من غرفة عملية عمّان، عندما كان الأردن يشعر بتردد الدول الغربية.
وتبين الصحيفة أن هذا كله قد تغير الآن، ويشير المقاتلون إلى معبر نصيب، الذي كان آخر معبر للنظام على الحدود الأردنية، وكان ينظر إليه على أنه هدف سهل، لكن المقاتلين منعوا من السيطرة عليه، وقد تغير الأمر الأسبوع الماضي عندما سيطرت المعارضة عليه. ويقول ناشط: "لم تعد هناك خطوط حمراء، وأصبح كل شيء هدفا متاحا".
ويؤكد التقرير أنه بالرغم من ذلك فإن المقاتلين يقولون إن الأسلحة التي يملكونها لا توائم المعركة، ويقولون إن الدول الغربية لا تريد هزيمة الأسد. ويقول الحموي: "لا يزال الأسد يكسب معارك كثيرة من الجو، ويدمر انتصاراتنا من خلال دك المناطق المحررة بالقنابل". ويضيف الحموي: "عندما يزودونا بصواريخ مضادة للطائرات عندها نعرف أنهم يريدون الانتصار".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن حسابات كهذه تترك الكثير من السوريين يشعرون أنهم أصبحوا بيدقا في النزاع، ويقول الناشط طارق عبد الحق: "على جانبي النزاع لا يسمح لأي جماعة في سوريا باتخاذ قرارها بنفسها"، لأن هذا "سيؤدي إلى تدمير البلد".