ليست هي المرة الأولى التي يتعرض فيها شعبنا الفلسطيني للمجازر الجماعية سواء كان ذلك على يد العصابات الصهيونية أو على يد الإحتلال الإسرائيلي لاحقا أو على يد الأشقاء الأشقياء في لبنان وسوريا.
فقد سبق مخيم اليرموك الذي يتعرض لأبشع المجازر التي بدأت منذ ثلاث سنين وتتوج الآن على يد "داعش" وقوات النظام السوري، سبق مخيم اليرموك مجزرة تل الزعتر التي بدأت في أواخر حزيران/ يونيو من العام 1976 يوم حاصر الجيش السوري – جيش حافظ الأسد- مخيم تل الزعتر وأدخل إليه القوات المارونية اللبنانية التي تألفت من: حزب الكتائب بزعامة بيير الجميل، ومليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون، ومليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجيه، ومليشيا حراس الأرز، بعد أن فرض الجيش السوري حصارا على المخيم استمر 52 يوما قطع خلالها الماء والكهرباء عن أهله.
واضطر سكانه لأكل لحم الكلاب والقطط حتى يبقوا على قيد الحياة، كما هو حال مخيم اليرموك اليوم، يومها انتهى حصار المخيم يوم 14 آب/ أغسطس 1976 ليس قبل أن تقوم هذه القوات بقتل ثلاثة آلاف فلسطيني بأبشع الصور، وليس قبل أن يعتدى على حرائره بكل ما تعرفونه من صور الإعتداء النذلة، وليس قبل أن يخلف هذا الإعتداء آلاف الجرحى والمعاقين، ومن ثم دخلت الجرافات إلى المخيم وسوته في الأرض وشتتت أهله في بقاع الأرض.
نظام بشار الأسد ابن حافظ الأسد ووريثه يحاصر مخيم اليرموك منذ ثلاث سنين، وقد وقع على المخيم خلال هذه السنوات العديد من المجازر ولكنها تتوج الآن بفكي الكماشة التي يشكل ضلعها الأول تنظيم "داعش" وضلعها الآخر نظام بشار الأسد، فـ"داعش" يقصف أهل المخيم من الأرض ويجتز الرؤوس عن الأجساد، ونظام بشار يقصفهم – أي أهل المخيم – من الجو بالبراميل المتفجرة التي تحمل إليهم النار والدمار والموت المحقق.
"داعش" الذي تهاوى أمامه جيشان قويان في لمح البصر قبل أقل من عام كبناية من ورق وانسحبا من أمامه مخلفين وراءهم عتادهم وسلاحهم ومحافظات شكلت لاحقا ما عرف باسم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، هما جيش بشار الأسد المدعوم إيرانيا وجيش نوري المالكي في العراق المدعوم أمريكيا وإيرانيا أيضا، ذاك الإنهيار السريع لجيشين كانا يتصارعان مع قوى ثورية في بلديهما لسنوات دونما تمكن أي من الطرفين من حسم الأمر وضع الكثير من علامات السؤال حول هذا "الإنهيار"، بل ربما الإنسحاب التكتيكي من أمام مَنْ سيروج العالم لاحقا له أنه قوى إسلامية تمثل الإسلام والجهاد ويتسم أتباعه بالوحشية والغوغائية التي يروجها "التنظيم" عبر وسائل إعلامه الهوليودية، وعبر مقاتليه الأجانب القادمين من دول أوروبا الذين فجأة واحدة لم يجدوا في جمال الإسلام وعدله ما يستهويهم، إنما وجدوا في قطع الرؤوس على الطريقة الداعشية ما يستجلبهم.
"داعش" هذا اليوم هو شريك النظام السوري في ذبح وقتل أبناء شعبنا الفلسطيني في مخيم اليرموك، فهم الذين اقتحموا المخيم واحتلوا 70% من مساحته، يقتلون الناس على الأرض ونظام بشار يقتلهم من الجو، فما هو سر هذا التوافق بين نظام بشار وبين "داعش"؟ وما هو سر المذابح التي تعرض لها شعبنا الفلسطيني عبر تاريخه من نظام "المقاومة" و"الممانعة" بدءا من مجازر تل الزعتر التي كانت برعاية وحماية سورية وفرها والد بشار حافظ الأسد الذي كان يومها رئيس سوريا، وصولا إلى مجازر مخيم اليرموك التي يتولى كبرها الآن الداعشيون والإبن بشار؟
لا شك أن صراع المصالح الذي يشكل الوطن العربي كله فيه حبة القمح بين حجري الرحى، قد استغلظ واستوحش حتى باتت أمريكا وإيران وإسرائيل عبر أدواتها في سوريا وفي اليمن وفي مجمل الوطن العربي، تضرب الكل بالكل لتخرج في معادلة جديدة تضمن من خلالها كل منها مصالحها المستقبلية.
وبين حجري الرحى يطحن مخيم اليرموك الآن بين أداتين من هذه الأدوات، فلك الله يا شعبنا الفلسطيني كم عانيت طيلة قرن من الزمن بدأ ولمَّا ينته، لكنَّه إلى زوال قريب بإذن الله ولعل خلط الأوراق الجاري الآن وضرب الكل بالكل يسير باتجاه غير الذي تريده مصالح هذه القوى.