كتب مايكل برونينغ في موقع مجلة "فورين أفيرز"، حول
القوة العربية المشتركة، وعن فرص إنشائها والمشاكل الناتجة عنها.
ويقول برونينغ، الذي يدير "مؤسسة فردريتش إيبرت"، التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في القدس الشرقية، إن قرار
القمة العربية التي انعقدت في
شرم الشيخ إنشاء قوة عربية مشتركة، رغم الترحيب به من منظمة الجامعة العربية والتعليقات الصحافية العربية، وما جاء من تصريحات أمريكية، لن تؤدي إلا إلى زيادة العلاقات الطائفية سوءا في منطقة الشرق الأوسط.
ويضيف الكاتب أن الإعلان عن القوة العربية المشتركة قد جاء في وقت كانت فيه الطائرات
السعودية تقود الغارات على الحوثيين في اليمن، وفي وقت كانت الدول الغربية تضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق مع
إيران حول ملفها النووي.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن تفاصيل إنشاء القوة لا تزال غير واضحة، فقد طلبت القمة من رؤساء هيئة الأركان المشتركة في الدول الأعضاء، تقديم خطة مفصلة حول القوة العربية وفي غضون ثلاثة أشهر، ولهذا لا يمكن تقييم القوة إلا من خلال تصريحات وبيانات قادة الدول العربية. وقد وصف المسؤولون العرب القوة بأنها ستتكون من 40 ألف جندي، ومدعومة بقدرات جوية وبحرية.
وتبين المجلة أنه من المتوقع أن تمول السعودية إنشاء معظم القوة، فيما ستقدم مصر غالبية الجنود، وستساهم الدول العربية الأخرى مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت بشكل أقل. وسيكون مقر الوحدة إما في القاهرة أو الرياض.
وقد كتب برونينغ في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" العام الماضي، حول الدور المتراجع للجامعة العربية في السياسات الإقليمية. ودعا فيه الجامعة العربية إلى أن تتحول "من منبر غير فعال للنقاش إلى مكان حقيقي لاتخاذ القرارات".
ويقول الكاتب: "في ذلك الوقت عبرت عن أمل قليل في تأثير الكارثة الدائرة في سوريا، كما فعلته عملية الإبادة في رواندا في الاتحاد الأفريقي. ففي عام 2004 تخلى الاتحاد الأفريقي مدفوعا بالكوارث الإنسانية عن سياساته في عدم التدخل بسيادة الدول الأعضاء، وأنشأ مجلسا للسلم والأمن مكونا من 15 عضوا، ومهمته (منع وإدارة وحل النزاعات)".
ويلفت التقرير إلى أنه في هذا المعنى فقد دفع التوتر المتزايد مع إيران وصعود تنظيم الدولة الجامعة العربية إلى تفعيل دورها، لكن هناك شكوكا حول قدرة القوة الجديدة على تعزيز الاستقرار في المنطقة.
ويوضح برونينغ أن الإعلان عن القوة استبعد العرب الشيعة منها، ما يعني أن فاعلية القوة أو الجامعة العربية ستكون على حساب الانقسام. مشيرا إلى أن القمة العربية بنت دعوتها إلى إنشاء القوة الجديدة على اتفاق الدفاع والتعاون الاقتصادي، الذي وقعته الدول المؤسسة للجامعة في حزيران/ يونيو 1950. فقد واجهت الدول العربية في حينه الحرب مع إسرائيل، ولهذا تعهدت برسم خطط دفاع مشتركة، وكان الهدف الواضح هو إسرائيل، وكانت الدول الموقعة على الخطة هي مصر والأردن وسوريا والسعودية واليمن. لكنها لم تتخذ الخطوات اللازمة لمتابعة الوضع ومواجهة إسرائيل.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن الوضع اليوم مختلف، فقد علقت عضوية سوريا، وهي العضو المؤسس في الجامعة، ولهذا لم يكن باستطاعتها الموافقة أو رفض المقترح، لكن العراق ولبنان أبديا تحفظات جدية حوله، وموقفهما لا يثير الدهشة؛ نظرا لهيمنة الأحزاب الشيعية فيهما.
ومن هنا اضطر الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إلى الإعلان في ختام القمة عن اعتراض العراق على القوة العربية المشتركة بسبب "غياب النقاش الأولي حول المبادرة"، وبعدها حذر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري من اندلاع حرب عربية عربية، وظهور "صفحة جديدة من الحرب"، في إشارة إلى الحملة العسكرية السعودية في اليمن. وفي الوقت ذاته دعا لبنان الجامعة العربية إلى تبني قرارات إجماعية، وهو ما عكس انتقاد حزب الله للتدخل في اليمن، ووصفه بـ "العدوان الظالم".
وتذكر المجلة أن داعمي إنشاء القوة العربية المشتركة اضطروا للقول إن المساهمة طوعية؛ لأن القرارات التي تتخذها الجامعة العربية يجب أن تكون بالإجماع، حتى تكون ملزمة للأعضاء كافة. ومن هنا فإن أي قوة عربية نابعة عن الجامعة العربية ستكون في المستقبل تحالفا سنيا، كما هو حاصل في اليمن. وبدلا من تحول الجامعة العربية إلى منبر للوحدة بين أفرادها، فقد تتحول إلى أداة في الحرب الطائفية.
ويجد الكاتب أنه حتى لو أصبحت القوة حقيقة، فالخلافات العربية القديمة لم يتم حلها. وبالتأكيد فإن التقارب بين مصر وقطر والسعودية مثال على ذلك، فقد ظلت الخلافات بينها قائمة بسبب دعم الدوحة للإخوان المسلمين، وهو ما أدى إلى سحب السفير المصري من قطر في عام 2014، ولم يعد السفير القطري إلى القاهرة إلا الأسبوع الماضي. كما أن التفاف الصف السني حول اليمن قد يكون الجبهة الأخيرة ضد إيران. ففي القضايا الأخرى من الصعب التوصل إلى صوت واحد في سوريا والعراق وليبيا.
ويرى برونينغ أن سجل الدول العربية في قضايا أخرى تتعلق بالتعاون وأقل إثارة للجدل يعني ظهور تحديات أمام إنشاء قوة عسكرية موحدة.
وتقارن المجلة بين محاولة التعاون الأمني والعسكري العربي والاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن الدول الأوروبية لا تزال تجد صعوبة في التعبير بصوت واحد حول القضايا الخارجية والأمنية، رغم ما بين دول الاتحاد الأوروبي من سوق مشتركة وعملة موحدة ومؤسسات عمل مشترك.
وهذا الوضع لا يشير إلى غياب المحاولات، فقد دعا رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرتشل عام 1950 إلى إنشاء جيش أوروبي بقيادة موحدة، وبعد تصريحاته بشهرين دعا رئيس الوزراء الفرنسي رينيه بلفين إلى خطة مشابهة، وظهرت الخطة في دعوات مفوض الاتحاد الأوروبي جين كلود يونكر لإنشاء "جيش أوروبي مشترك".
ولم يظهر أي من هذه المقترحات على السطح في الواقع، فرغم المهام الإنسانية ومهام حفظ السلام التي قام بها الاتحاد الأوروبي، إلا أن ظهور جيش أوروبي موحد يظل مرتبطا بسياسة خارجية أوروبية مشتركة. وإزاء هذا فإن المهمة تظل صعبة في السياق العربي، حيث لا يوجد سوق مشترك ولا عملة موحدة.
ويخلص برونينغ إلى أن قمة شرم الشيخ لم تكن تقدما مهما، بل كانت مجرد احتفال بالمواجهة الطائفية ضد الشيعة العرب وإيران. ويظل تشكيل قوة عربية مشتركة في ظل جامعة عربية موحدة، وبناء على ميثاق الأمم المتحدة تطورا يرحب به، إلا أن "القوة العربية المشتركة" ليست القوة المرجوة، وقد تؤدي إلى إضعاف الجامعة العربية وتزيد التوتر العربي الإيراني اشتعالا.