في ظل حكم
تنظيم الدولة لمساحات شاسعة من
سوريا؛ يعيش ملايين المواطنين الذين يحتاجون إلى تسيير أمورهم الحياتية؛ من
عقود بيع وشراء، وزواج، وفض للمنازعات والخصومات، بالإضافة إلى
خدمات الماء والكهرباء والصحة والمرافق العامة، الأمر الذي يدفع التنظيم إلى بذل جهده لإثبات قدرته على إدارة شؤون المجتمع بالكفاءة ذاتها التي يقود بها معاركه.
ومع إحكامه سيطرته العسكرية والأمنية على مساحات واسعة من
ريف حلب الشرقي، بالإضافة إلى الرقة وريف دير الزور، وأجزاء من مدينة دير الزور وريف الحسكة؛ أغلق تنظيم الدولة محاكم الدولة السورية، وألغى تثبيت المعاملات وعقود الزواج بالصورة المعترف بها محلياً ودولياً، وأحدث محاكمه الخاصة الأمنية والجنائية، والشخصية، وأصبح البيع والشراء يُبرم بعقود لدى التنظيم، يرى تجار أنه "يمكن التلاعب بها مستقبلاً بحيث يبيع المالك عقاره أكثر من مرة؛ لأنها عقود غير مثبتة" كما يقولون.
ويعيش المواطنون في مناطق تنظيم الدولة؛ صراعا بين سلطة الأمر الواقع، وبين الحاجة للدولة الرسمية المعترف بها دولياً لإثبات واقعات الزواج والولادة، وتصديق الشهادات والمعاملات الرسمية المتعلقة بالخارج، وخصوصاً للذين يعزمون على السفر، حيث يحتاجون إلى جواز سفر مصدّق من النظام السوري، بحسب ما قاله لـ"
عربي21" أحد مسيّري المعاملات في ريف حلب الشرقي.
أما في ما يتعلق بقطاع الخدمات؛ فإن التنظيم يعمل على إدارتها مستفيدا مما تبقى من خبرات وطنيّة، ومستثمرا وجود الثروات والمنشآت الحيوية في مناطق سيطرته. وقال عضو تنظيم الدولة الحسن الشامي لـ"
عربي21"، إن "خدمات الكهرباء والماء والأمن في مناطق الدولة الإسلامية؛ أفضل منها في المناطق الخاضعة لحكم الكفار النصيرية، والصحوات المرتدين"، على حد تعبيره.
إلا أن مواطنا فضّل عدم ذكر اسمه؛ قال إن الفضل في هذه الخدمات لا يعود للتنظيم، "فالسدود والموارد متوفرة قبل وجود التنظيم، وأحسن الثوار إدارتها قبل سيطرته عليها".
ويرى مراقبون أن تنظيم الدولة يعتمد في إدارته للمرافق الخدمية والعامة على اللامركزية، والثقة المطلقة بالأمراء المسؤولين عن الإدارة، مشيرين إلى أن هناك ميزانية خاصة لكل ولاية، "ولكل أمير مطلق الحرية في تسيير أمورها، ويمنح أمير المؤسسة الخدمية - سواء في الكهرباء، أو الماء، أو الصحة، أو البلديات - صلاحيات واسعة".
وقال ناصر، الذي يملك محلاً تجارياً في أحد أسواق ريف حلب، إن أمير البلدية السابق "أبو محمد الألماني" قام بـ"التعدي على حديقة المنصور بإحاطتها بأكثر من 70 محلاً تجاريا أجّرها للمواطنين"، مشيرا لـ"
عربي21" إلى أن الأمير "قطع عددا من الطرق أمام السيارات بدعوى التخفيف من الازدحام في السوق".
وبيّن مواطن رفض الكشف عن اسمه، أن الثقة المطلقة الممنوحة لأمراء الولايات البلديات "تعود إلى الظروف الاستثنائية التي يمر بها التنظيم"، لافتا إلى أن "الانتساب يتم عن طريق التزكية، وبالتالي فإن الكل موضع ثقة ما لم يثبت العكس".
وأضاف لـ"
عربي21" أن الثقة العمياء بالأمير، وغياب الجهات والمؤسسات الرقابية في "الدولة الناشئة" أديا إلى "هدر العديد من الموارد، وسرقة أموال ضخمة"، مذكّرا بحادثتي "هروب أميري ديوان الزكاة في مدينتي الميادين وبزاعة بريف حلب، وبحوزتهما أموال الزكاة التي حصّلوها من المواطنين".
ولجأ تنظيم الدولة إلى عقوبات قاسية جدا بحق عناصره الذين ثبت قيامهم بعمليات سرقة، أو سلب للمال العام، بحسب عدنان الذي يعمل مدرسا في مدينة منبج.
وأضاف عدنان أن "التنظيم أعدم عددا من عناصره، وصلبهم في مداخل المدن والساحات، بدعوى سلب المواطنين ونهبهم"، مشيرا إلى "إعدامه أحد عناصر الحواجز في مدينة الباب، وأمنيا كبيرا من جرابلس في مدينة منبج، بالإضافة إلى قطع يد سارق منتسب للتنظيم في الساحة العامة بمنبج أيضا".
وأبدى مواطنون إعجابهم بإدارة تنظيم الدولة الأزمات المجتمعية، وسرعة أفراده في تنفيذ الأوامر، مشيرين إلى تجربة أفران الخبز التي كان يعاني منها أهالي ريف حلب الشرقي، حيث الشح في كميات الخبز، والازدحام الشديد على أبواب المخابز.
وقال عضو التنظيم "أبو همام" إن "الدولة الإسلامية استمرت بالعمل على توزيع الخبز في الأحياء، وذلك من خلال موزعين تابعين لها، واعتمدت في ذلك نظام (بطاقة لكل عائلة)، بالإضافة إلى أنها رفعت سعر ربطة الخبز إلى 130 ليرة سورية، للحد من الهدر، حتى تم القضاء بالفعل على أزمة الخبز".
يشار إلى أن تنظيم الدولة يسيطر على مساحات واسعة من الشمال السوري، بدءا من دابق شمال حلب، إلى البوكمال شرق البلاد، مرورا بكامل ريف حلب الشرقي عدا عين العرب، بالإضافة إلى الرقة، وكامل ريف دير الزور وأجزاء من المدينة، وبعض ريف الحسكة.