اتفاق
لوزان النووي مبكَّل، وفق رؤية وآراء كبار مهندسي السياسة في الغرب والشرق. والبعض منحه رتبة "التاريخي"، في مرحلة شرق أوسطيّة مشتعلة، لم تعرف مثلها المنطقة حتى في أزمنة "الغزوات الجاهلية" والعابرة للبحار والقارات.
لكن العبرة في التنفيذ، وإن كان كثيرون أبدوا ارتياحهم واطمئنانهم إلى أن إطار الاتفاق، أو الاتفاق-الإطار قد يشكّل الحدث السياسي الأكبر إقليميّاً، ومنذ عصر الانقلابات والبلاغات "الثوريّة".
في كل حال، العبرة في التنفيذ، الذي يحتاج إلى أسابيع وأشهر وربما سنوات، كي يظهر خيره من شرّه. وكي يتأكّد العالم من نيّات
إيران وما تخبّئه خلف التسليم بـ"سلميّة البرنامج" والاكتفاء بخيرات وعائدات مكافأة رفع العقوبات.
غير أن "العرس الكبير" الذي أُقيم في لوزان ليل الجمعة، احتفاءً بالنهاية السعيدة والمثمرة التي كلّلت مفاوضات شاقة وطويلة ومعقّدة، كان كثيرون يتصوّرون ويؤكّدون أن من رابع المستحيلات تمكّنها من انتزاع أي اتفاق، أو حتى تفاهم مبدئي... هذا العرس أوحى إلى المتشائمين والمتطيّرين أن الاتفاق أوسع وأعمق وأبعد مما أُعلن على الملأ بكثير.
والأيام المقبلة، التي قد تشهد انعكاسات لهذا الاتفاق على أرض الواقع، هي التي ستقول لنا ما إذا كانت الأفراح والليالي الملاح التي استحضرت شهرزاد من جديد كانت في محلّها. وخصوصاً بعدما أعلنت إسرائيل و"مخلّصها" بنيامين نتنياهو الحداد العام مع إطلاق النفير للتحسّب والتنبّه.
ما كُتِب قد كُتِب. وعلى الجميع، جميع القادة والمتغطرسين في المنطقة، وفي المقدمة حكّام إسرائيل، أن يسلّموا بأن شرق أوسط جديداً عن حق وحقيق قد بدأ يشقّ طريقه إلى التنفيذ. وانطلاقاً من البند الصعب بل الأصعب: النووي الإيراني.
اما بالنسبة إلى لبنان الذي كان استحقاقه الرئاسي مقيماً في "القفص الإيراني"، كان ولا يزال، فعرّافات دلفي يرجّحن احتمال تلقّيه هديّة ما، أو مكافأة ما على صبره وتضحياته. وفي غضون أسابيع، خلافاً لكل ما "يتمنّاه" المتضرّرون ويبشّرون ويبوّمون به.
وفي هذا المقام تبرز الملاحظة الموحية جداً، التي يمكن الإفادة منها والبناء عليها، وهي التي تعكس أهميّة وجود فريقي الحوار الثنائي "تيار المستقبل" و"حزب الله" معاً، وفي معمعة الأخذ والعطاء والمناقشة... لحظة إعلان اتفاق لوزان، وانطلاق عازفي سيمفونيّة الأمل لبيتهوفن في توزيع لحن
التفاؤل والفرح.
كأنما التيار والحزب كانا على علم مسبق بالنهاية السعيدة لفيلم "نووي لقلي
البيض".
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)