ربما يتساءل القارئ: ما هذه التسمية الجميلة لحكومة فاشلة؟ كان متوقعاً ومؤملاً أن تكون حكومة "التوافق"
الفلسطينية التي يرأسها الدكتور رامي الحمد لله، بلسماً لكل الجراح التي خلفها الانقسام البغيض. وعندما تشكلت بنصف توافق أو أقل قليلاً، تنفس الناس الصعداء، فقد أصبحت لدينا حكومة واحدة ورئيس وزراء واحد، بعد أن كانت لدينا حكومتان، واحدة في غزة والأخرى في الضفة. وبهذا علّق المواطن الفلسطيني على شماعة الحكومة كثيراً من الأمنيات الطيبة، والآمال العريضة، التي تبددت مع أول تصريح هائج، وسلوك مدمّر للمصالحة انتهجته الحكومة منذ يوم ميلادها الأول. ومع مرور الوقت تحولت أمنيات الناس إلى مستحيلات في نظر الحكومة، وأصبحت الحكومة هي التي تعرب عن أملها، تتوقع، تتمنى أن تنتهي الأزمات العالقة، وأصبح المواطن يدعو الله أن تتحقق أمنيات الحكومة "التوافقية".
لم يتوقع المواطن الفلسطيني، الذي كان يتناول المناكفات السياسية والإعلامية في وجباته اليومية أن تناكفه حكومة "التوافق"، وأن تصبح أداة حادة جارحة في يد الرئيس عباس، الذي أعلن أن الحكومة حكومته، حتى اتضح فيما بعد أنه الرئيس الفعلي للحكومة، وأن الدكتور رامي الحمد لله يمثل اليد الناعمة، والوجه "البشوش" لسياسة عباس القاسية، الجافة، البلهاء تجاه شعبنا الفلسطيني، الذي خاص ثلاث معارك مع العدو الصهيوني في أقل من ست سنوات، وانتصر فيها.
اختارت الحكومة أن تجلس في غرفة من البيت الفلسطيني الكبير، وتركت باقي البيت نهباً للأسئلة الجارحة. فلم تلتفت لغزة وهي تنزف، وتركتها تضمد جرحها وحيدة بلا أدنى نوع من التواصل حتى بين الوزراء ووكلائهم في غزة، بل سعت لابتزاز الدول التي قدمت بعض المنح إليها، فلم نسمع عن حكومة في العالم تفرض الضرائب على أموال المنح القادمة إلى شعبها إلا من حكومة الغرائب والعجائب.
لقد حطمت حكومة "التوافق" الرقم القياسي في عدد التصريحات التي نفاها قائلوها، وتجاوزت الحد المطلوب من استخدام المسكنات لأمراض مزمنة، وجراح مفتوحة يعاني منها قطاع غزة. انظروا مثلاً إلى مؤتمر رئيس الوزراء الذي جاء نسخة طبق الأصل عن مؤتمره في زيارته السابقة. كلمات جوفاء لا حياة فيها، وجمل جامدة لا حلول فيها.
ومن الجدير أن نتساءل هنا ماذا أنجزت الحكومة من المهام الموكلة إليها، وفقاً لما تم الاتفاق عليه؟ ماذا قدمت من حلول لموضوع الكهرباء، البطالة، الرواتب، الإعمار؟ وهل تستمتع الحكومة بمشاهدة الشعب يحرق ويغرق، يفترش الأرض ويلتحف السماء؟ هل بهذه الوسائل تعزز الحكومة صمود شعبنا على أرضه الفلسطينية، أم أنها باتت تفعل عكس ما تقول؟ أية حكومة تلك التي تبيض لجنة، ثم تفقس عن لجان لكل ملف صغير؟ وأي وزراء أولئك الذين يعملون شهود زور على مرحلة فاصلة في تاريخ قضيتنا الوطنية؟
إنها حكومة منزوعة الدسم، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا أعتقد أنها ستقوم بأقل واجباتها تجاه القطاع المحاصر المدمر؛ لأنها تنتظر أن يعطيها الرئيس عباس مفاتيح الأبواب المغلقة، تلك المفاتيح التي نسي عباس أين أضاعها نتيجة إصابته بالزهايمر السياسي.
فهل آن الأوان أن نكتب بيان النعي في هذه الحكومة الفاشلة، التي تعد أداةً من أدوات مشروع عباس، وعصاً غليظة لمعاقبة شعبنا الذي يصمد ويقاوم وينتصر في غزة؟