وصل "محمد المغربي" إلى المشفى متأثراً بجراحه، سارع الطبيب لاستقباله، محاولا إنقاذ حياته. كان محمد يتّكئ على ظهر صديقه، علّه يحظى بفرصة للراحة، وبعدها دخل في غيبوبة، وفقد الوعي.
علمت والدته المقيمة في مدينة مراكش في المغرب العربي بخبر الإصابة، لم تتحمل تلك الصدمة، سارعت لتجهيز حقيبة السفر والحجز إلى تركيا لرؤية فلذة كبدها الذي يعالج بإحدى مشافيها، بعد أن أصيب إصابة بالغة أثناء الاشتباكات ضد قوات النظام في
سوريا، فهو سافر إلى هناك من أجل إسقاط النظام، كما يقول مرافقه.
تتسارع الأحداث، وتبتر ساق المقاتل المغربي محمد، ويبقى الجرح نازفا.. يبذل الطبيب أقصى جهده للحفاظ على حياة المصاب، علّه ينقذه من موت قادم إليه لا محالة.
تأخرت الأم في الوصول، حيث إنها عندما وصلت إلى بوابة المغادرة في مطار مراكش فوجئت بنسيانها جواز السفر في المنزل، ما اضطرها لتأجيل السفر إلى يوم آخر.
يحكي صديق محمد لـ"عربي21" ما جرى لمحمد بعد إصابته فيقول: "بعد العملية استقرت حالة محمد الصحية. طَلَب مني حينها أن أساعده للعودة إلى سوريا، لأنه يتوق لاستكمال المعارك ضد "قاتل الأطفال"، كما يصفه، لكنني رفضت ذلك، فأنا أعلم أن صحته لا تسمح له بالعودة إلى ساحات المعارك في الوقت الحالي، طلبت منه أن يتريّث، فلا بد من أن تستقر حالته الصحية أولاً".
ويضيف: "حصل ما لم يكن بالحسبان، فقد ساءت صحة محمد من جديد، حينها قررت والدته ألا تتركه وحيدا، قطعت تذكرة طائرة، أقلعت بها إلى مطار أتاتورك في إسطنبول، لتقلها طائرة أخرى إلى المشفى في مدينة غازي عنتاب (..)، طلبنا منها ألا تتكلم باللهجة المغربية، خوفا من الدخول في تحقيقات الأمن التركي، وحتى لا يتم اكتشاف حقيقة محمد بأنه سافر من المغرب إلى سوريا من أجل الجهاد".
لكن الصدمة الكبرى هي أن محمدا كان قد فارق الحياة، ولم نعلم نحن بذلك إلا عندما وصلنا برفقة والدته إلى المشفى.. كانت تلك أصعب اللحظات، عندما صرخت أمه بصوت عالٍ والدموع تنهمر من عينيها: "ألا لعنة الله عليك يا بشار، يا قاتل الأطفال، ومفرق الأهل والأحبة". لم تستطع أم محمد الحديث مع ابنها، ولم تره إلا وهو مسجّى على فراش الموت.
ربما حظيت "أم محمد المغربية" برؤية ابنها قبل دفنه، بعكس نظيرتها الأردنية الّتي فقدت ابنها في القتال في سوريا، لكن هذه المرة قُتل "أبو الليث" برصاص
تنظيم الدولة خلال المعارك التي خاضتها الفصائل السورية المقاتلة ضد التنظيم في الشمال السوري.
اتصل أصدقاء "أبو الليث" بوالدته كي يعزوها بوفاة ابنها، لم تتمالك الأم نفسها، وهي تجهش بالبكاء على شاب لم تُنهِ له بعد تحضيرات منزل الزفاف. فـ"أبو ليث" كان قد وعدها أنه سيعود للأردن بعد شهرين لإقامة حفل زفافه، وطلب منها التجهيز للحفلة. لكنه دفن مع رفاقه السوريين في مقبرة بقرية حدودية، قبل أن تفرح أسرته بعرسه، أو أن تتمكن من وداعه قبل أن يوارى الثرى.
قصص النساء العربيات اللاتي فقدن أبناءهن في سوريا كثيرة ومتعددة، والمقابر الأهلية في المدن والبلدات السورية شاهدة على مواراة الثّرى لعدد من الشبان العرب الذين قدموا إلى سوريا.. ففي تلك القرية الحدودية، ترى على شواهد القبور أسماء مثل "أبو أنس التونسي، والليبي...".