في تموز/ يوليو الماضي استطاعت قوات فجر
ليبيا السيطرة على العاصمة
طرابلس، وإخراج كتائب القعقاع والصواعق والمدني، الجناح المسلح لحزب تحالف القوى الوطنية برئاسة محمود جبريل المقيم بالإمارات العربية منذ أكثر من سنة.
لكن مع تجدد الاشتباكات في محيط طرابلس، اتسعت رقعة الجبهات على قوات
فجر ليبيا، لتشمل تخوم طرابلس وسرت والنوفلية (400 كم شرق العاصمة)، حيث تخوض قوات عملية الشروق والكتيبة 166 التابعتين لرئاسة أركان المؤتمر الوطني العام؛ حرباً مزدوجة: مع تنظيم الدولة من جانب، وقوات حرس المنشآت النفطية الموالية للفريق خليفة
حفتر من جانب آخر.
ويرى محللون عسكريون أن فتح جبهة جديدة في مناطق رشفانة والعزيزية والزهراء، جنوب طرابلس، جاء في إطار محاولة قوات
جيش القبائل المتحالف مع الزنتان بالجبل الغربي والموالي لحفتر، لتخفيف الضغط الهجومي على قاعدة الوطية جنوب طرابلس، بعد اقتراب قوات فجر ليبيا من القاعدة على بُعد 18 كم.
كما يرى مراقبون أن الهدف من فتح جبهة جنوب طرابلس، ربما يكون إعاقة تقدم قوات فجر ليبيا باتجاه مناطق الجبل الغربي حيث تتحصن كتائب القعقاع والصواعق (من الزنتان) بأسلحتها الثقيلة، التي خرجت بها من طرابلس، خاصة أن قاعدة الوطية غير الاستراتيجية من الناحية العسكرية أوشكت على السقوط، بعد اشتباكات منذ أكثر من شهرين فيها.
ويرجح فريق ثالث أن معارك جنوب طرابلس قد تم إشعالها لإحداث إرباك أمني في العاصمة طرابلس، مع استبعادهم دخول قوات مسلحة من خارج العاصمة وسيطرتها عليها، بسبب الانتشار الكثيف داخل العاصمة لقوات من فجر ليبيا بأسلحة ثقيلة، منها قوة الإسناد التابعة لوزارة الداخلية بقيادة عبد الرؤوف كارة، التي خرجت في عرض عسكري وانتشرت في شوارع العاصمة بمختلف أنواع الأسلحة.
سيناريو بنغازي
يخشى كثير من سكان طرابلس من تكرار سيناريو بنغازي، وذلك بعد الهجوم الذي شنته قوات حفتر على بنغازي ابتداء من 16 أيار/ مايو من العام الماضي، تساندها ميليشيات مدنية اصطلح على تسميتها بـ"الصحوات"، مما أدى إلى تدمير بعض أحياء المدينة ونزوح آلاف العائلات منها بسبب الأوضاع الإنسانية الصعبة.
وقال متابعون إن عملية الكرامة فقدت حواضنها الاجتماعية داخل العاصمة طرابلس بسبب ما نتج عن أحداث بنغازي، مؤكدين انتقال جزء ليس باليسير من التعاطف الشعبي إلى مربع عملية فجر ليبيا، كون هذه الأخيرة لا تتدخل في الشأن اليومي أو الحياتي للعاصمة، حيث تركت تأمينها لقوات من العاصمة موالية لها.
تهديد للمكونات الاجتماعية
داخل العاصمة طرابلس، وعلى مدار فترة مقاومة نظام القذافي التي ناهزت الثمانية أشهر، اتضحت صورة وملامح المؤيدين لثورة شباط/ فبراير والمعارضين لها، على عكس مدن ومناطق شرق ليبيا التي تحررت من النظام السابق في أيام معدودة بلغت في بعضها ثلاثة أيام، مما يعني عدم فرز المكونات الاجتماعية المؤيدة والمعارضة للثورة. وهذا ساهم، بحسب مراقبين، في استغلال قائد الجيش المعين من برلمان طبرق، خليفة حفتر، لحالة سيولة المواقف في شرق ليبيا، وتصدير نفسه قائداً عسكرياً جديداً لإنقاذ ليبيا من شبح الإرهاب والتطرف، ومسارعة مكونات مجتمعية وقوى لم تكن مؤيدة لفكرة التغيير عبر ثورة فبراير، لدعم حفتر، حفاظاً على مصالحها الاقتصادية والمجتمعية التي كونتها إبان النظام السابق.
ظهرت رسائل تهديد مباشرة بعثها قادة كتائب مسلحة وأعضاء بمجالس بلدية في العاصمة طرابلس، تُنذر المكونات الاجتماعية داخل العاصمة وتهددها من محاولة استغلال المعارك العسكرية مع جيش القبائل وكتائب الزنتان على أطراف العاصمة، للقيام بأعمال من شانها الإخلال بالأمن، وإلا تعرضت للطرد من طرابلس على غرار ما حدث في بنغازي، من طرد مكونات اجتماعية رفضت تأييد عملية الكرامة. وكانت الرسالة الثانية أقصر من الأولى، إلا أنها تضمنت ما مفاده: "طرابلس لن تكون بنغازي الثانية".
خلاف جديد داخل معسكر الكرامة
ظهر خلاف جديد على مسرح عملية الكرامة العسكرية بقيادة حفتر وأجنحتها السياسية، غير الخلافات التي طفت داخل برلمان طبرق بين المؤيدين لحفتر من النواب، والمؤيدين لمحمود جبريل من نواب حزب تحالف القوى الوطنية، والتيار الفيدرالي، لكن حُسم الخلاف لصالح حفتر، باستحداث منصب قائد عام الجيش، وترقيته إلى رتبة فريق أول.
الخلاف الجديد جاء بين حفتر وكبار قادة مكتب الاتصال باللجان الثورية التي أسسها العقيد الراحل معمر القذافي في سبعينيات القرن الماضي، الذين انضووا تحت مسمى "الحركة الوطنية الشعبية الليبية"، وهي حركة ضمت كل المعارضين لثورة فبراير من أنصار النظام السابق.
وقد تمحور الخلاف حول علم الدولة، ففي الوقت الذي يصر فيه زعماء الحركة الشعبية على تغيير علم الاستقلال بعلم نظام القذافي الأخضر، يصر حفتر بأن التوقيت غير مناسب، ويُمكن أن ينجم عنه انسحاب كثير من المؤيدين له.