من
المغرب أعلن المتحاورن من البرلمان والمؤتمر الوطني العام عن تقدم في حوارهم حيال ما تعرضه الأمم المتحدة من أجندة لتسوية النزاع، لكن الأفق قد يكون مسدوداً عند الدخول في التفاصيل خاصة فيما يتعلق بشكل حكومة التوافق وصلاحياتها ومن يرأسها والجسم التشريعي الذي سيراقبها.
اختيار المغرب مكاناً للحوار كان توافقياً باعتبار أن المغرب بعيدة سياسياً ودبلوماسياً عن الجدل الليبي، وبموازة حوار المغرب تنشط الدبلوماسية
الجزائرية وتتقدم بخطى ثابتة وواثقة، فالجزائر تتحسس خطر الوضع في
ليبيا ويقلقها كثيراً الوضع الأمني الصعب الذي يمكن أن يشكل تهديداً لها، لكنها تلتزم بمقاربتها السلمية لاحتواء الوضع، وهي بذلك تفرض رؤية لدولة مجاورة وطرف إقليمي مهم يدفع بقوة لحل سلمي، في مقابل خيار دولة مجاورة وطرف إقليمي، هو مصر التي تراهن على الحسم العسكري بدعمها عملية الكرامة.
وتنسجم الجزائر في مقاربتها السلمية مع اتجاه دولي يؤيد الحوار بين الأطراف المتصارعة، لكنها في اتساق مع خيارها بدرجة كبيرة، حتى عندما تنزع الأطراف الغربية منزعاً تعتبره الجزائر مناقضاً لخيار التهدئة، ومصادماً لمبدأ عدم التدخل المباشر في الشؤون الليبية؛ فقد عبرت القيادة الجزائرية عن رفضها القاطع للمشاركة في عملية أمريكية لملاحقة واعتقال أو قتل قياديين متشديين، يُعتقد أنهم ينشطون في الجنوب الليبي وشمال مالي. ويمثل القرار الجزائري خياراً محرجاً باعتبار أن العملية تأتي في إطار تعهد البيت الأبيض ملاحقة المسؤولين عن مقتل أمريكيين في منشأة "تيغنتورين" بالجنوب الجزائري، ومن المفترض أن تكون الجزائر أكثر تجاوباً باعتبار أن العملية وقعت على أراضيها.
الجزائر قادت المشاورات بين دول الجوار الليبي، بل كانت الجزائر المبادر بتأسيس فريق دول الجوار وانعقدت أولى اجتماعاته في العاصمة، وأشاد رئيس بعثة الأمم المتحدة بليبيا، برننادينو ليون، بدور المسؤولين الجزائريين على أعلى مستوى، وأن زيارته الأخيرة للجزائر كانت من أجل "الاستلهام من "نصائحهم ورؤيتهم السديدة".
زيارة ليون الأخيرة للجزائر ربما هدفت أيضاً لاحتواء "استياء" الساسة الجزائريين بسبب اختيار المغرب مكاناً للحوار، واعتبروه تجاهلاً لدور ومكانة الجزائر في إدارة الأزمة الليبية.
اختيار المغرب بالطبع له علاقة بتحفظ البرلمان في طبرق على الجزائر التي أبدت مرونة عالية في التعامل مع المؤتمر الوطني وفجر ليبيا، وربما تكون هي من أقنع تونس للمضي في مسار مقارب، لكن الدبلوماسية الجزائرية نجحت في تهدئة الوضع، وكان اجتماع معظم الأطراف المتصارعة الثلاثاء الماضي في العاصمة الجزائرية تعبيراً عن قدرة الجزائر على التعامل مع جميع أطراف الأزمة.
الجزائريون فاجأوا الجميع بالإعلان عن جولات من الحوار السياسي الليبي شارك فيها 200 قيادي ليبي، جاء ذلك على لسان لعمامرة وزير الخارجية، وأكده الوزير الجزائري المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، عبد القادر مساهل، من أن هناك لقاءات بالجزائر العاصمة بين أجنحة متعارضة سرية أفضت إلى اتفاقات وقعت بين تلك الأطراف.
اجتماع الثلاثاء كان مفاجئاً للكثير من الساسة والنشطاء من الذين تبنوا مواقف حادة، فقد جمع اللقاء بين قيادات من تحالف القوى الوطنية المتهمين من قبل أنصار فجر ليبيا بدعم عملية الكرامة والتآمر مع حفتر في انقلابه على ثورة 17 فبراير، وقيادات محسوبين على فجر ليبيا في حزب العدالة والبناء وحزب التغيير.
الاجتماع لم يضم عناصر من النظام السابق كانت تقارير محلية قد تحدثت أنهم سيشاركون في الاجتماع المشار إليه، من بينهم قذاف الدم ومصطفى الزايدي والطيب الصافي، ولا يعني غياب هؤلاء أن الجزائر تستبعدهم من المعادلة، وليس من المستغرب أن يكون هناك مسار آخر للحوار يجري بصورة سرية يضم هؤلاء مع غيرهم، ليكون مفاجأة الشهر المقبل أو الذي يليه، وذلك بحسب التقدم على مسارات الحوارات الراهنة.
والسؤال الجوهري: هل يقبل الوضع الليبي الراهن بتشابكاته الكثيرة وتعقيداته الجمة بمقاربة سياسية تجمع كافة الأطراف الليبية بغض النظر عن توجهاتهم ومواقفهم في القديم والحديث، أم إن في نفوس وأدمغة المتصارعين ما يحول دون "مصالحة بلا استثناء" ويطيل أمد التحارب؟!
من جهة أخرى، فإن أي توجه لاحتواء الأزمة الراهنة لن يكون ناجعاً دون دعم دولي غربي قوي، فكيف سيكون موقف الأطراف الدولية في حال استمر رفض القوى المتحاربة نتائج الحوار، ويظهر الرفض والتعنت بشكل أكبر هناك في طبرق والبيضاء وبنغازي من قبل أنصار عملية الكرامة.