لا يشك أحد في أن تجربة جماعة "الاخوان المسلمين" في حكم
مصر حقّقت فشلاً ذريعاً، وقد تكون أسباب ذلك متنوّعة أبرزها ثلاثة: الأول، عدم وصولها إلى السلطة منذ تأسيسها قبل عقود، وافتقادها أي خبرة على رغم نجاحها في آخر سنوات حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك في الوصول إلى مجلس الشعب (النواب) وبعدد فاجأه، الأمر الذي دفعه إلى الخوف منها، وإلى قمعها.
والثاني، تردُّدها كثيراً قبل الانخراط في
ثورة يناير 2011 التي أطلقها الشباب المصري ربما خوفاً من فشلها وخوفاً من أن يكون دورها فيها صغيراً، وربما رغبة في الحصول على مكافأة من السلطة في حال فشل الثورة. والثاني أيضاً عدم وضوح مخطّطها لمرحلة ما بعد نجاح الثورة. وذلك بعد انضمامها إليها. إذ كانت تارة مع عدم الاستئثار بالسلطة، وتارةً مع الاكتفاء بالعمل التشريعي والابتعاد عن الحكومي، وتارة مع الاشتراك في الحكومي ولكن بحقائب لا تورّطها كالسياسية والخدماتية التي لا تستطيع أن تحلّ مشكلاتها، وتارة مع رفض خوض الانتخابات النيابية في الدوائر كلها والترشح لمنصب رئيس الجمهورية. أما الثالث فهو شهوة السلطة التي ضاعفت أثرها السلبي قلّة الخبرة. والاثنان دفعا جماعة "الاخوان" إلى "أخونة" الدولة وأظهرا ميلها للإمساك بالسلطة، ولفرض حكم لا يتميّز بالاعتدال الديني الذي أوحت أنها مؤمنة به.
لكن لا يشك أحد أيضاً في أن فشلها المشار إليه أعلاه استُعمل من داخل ومن خارج لتحقيق أهداف وغايات لا علاقة لها بالمصلحة العامة. منها المحافظة على الدور الأساسي والكبير العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي للمؤسسة العسكرية في مصر. وكانت حصلت عليه منذ ثورة يوليو 1952 ثم تطوّر بعد ذلك بحيث صارت العسكرية هي سمة النظام الحاكم فيها. ومنها أيضاً خوف قطاعات مهمة من المجتمع المصري على الحريات، ومن تكوّن نظام أقل انفتاحاً وبكثير من نظام عبد الناصر والسادات ومبارك اجتماعياً وسياسياً واعلامياً ودينياً على رغم كونه (أي الأخير) نظاماً غير ديموقراطي. ومنها أخيراً خوف دول عربية وازنة من انتقال "الاخوان" إليها شعوباً ومجتمعات وأنظمة، الأمر الذي قد يجعلها مهدَّدة بتغييرات لا مصلحة لها فيها أو لحكامها.
أما لماذا تُكرِّر أميركا في مصر تجربة "أخوانية" فشلت حقيقة وليس افتراء؟
أولاً، لا أحد يستطيع أن يجزم أن أميركا قررت فعلاً تكرار التجربة المذكورة. لكن تجربة النظام الجديد في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي لا تبدو لها ناجحة على رغم التزامه معاهدة السلام مع اسرائيل ومحاربة الإرهاب. ذلك أن دور العسكر في الثورة الثانية يونيو 2013 تحريضاً وإعداداً معروف منها، ولا يقلِّل ذلك من التأييد الشعبي الكبير لها. فضلاً عن أن تعاطيه مع جماعة "الاخوان" بدا لها كيدياً وانتقامياً وقمعياً وخصوصاً عندما "قرّر" أنها إرهابية مثل "جمعية أنصار المقدس في سيناء"، والاسلاميين المتسلّلين إلى الداخل المصري من ليبيا والسودان، وعندما حمَّلها مسؤولية غالبية العمليات الارهابية، وأصدر قضاؤه أحكاماً شديدة عليها جراء ذلك. وهي اعتبرت أن ذلك مؤذٍ لمصر وللنظام الجديد لأن استمراره لا بد أن يحوّل "الاخوان" أو الأجيال الجديدة والشابة منهم إرهابية. وفي ذلك تدمير لمصر الدولة والمجتمع والحد الأدنى من الاعتدال والحرية. انطلاقاً من ذلك، تدعم اميركا نظام الرئيس السيسي وفي الوقت نفسه تعيد الحوار مع "الاخوان" آملة في أن يساعدها ذلك مستقبلاً، وقبل فوات الأوان، في اقناعهما بالعمل معاً لمصلحة مصر.
وثانياً، جماعة "الاخوان المسلمين" منتشرة في غالبية دول العالمين العربي والإسلامي وصاحبة دور فاعل تحت الأرض وفوقها وجيدة التنظيم. وهي لا تزال "معتدلة" في رأي الغرب وأعدائه ومنهم إيران بالمقارنة مع "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" وأمثالهم. والتعامل معها ضروري إذا أراد العالم محاربة الإسلام المتطرف العنيف التكفيري الذي ينتشر كالفطر في العالمين المذكورين والعالم الأوسع. فضلاً عن أن القضاء عليها أولاً في مصر وثانياً خارجها أمر مستحيل في رأي كل هؤلاء. وهذا أمر تنظر فيه حالياً المملكة العربية السعودية في عهد مليكها الجديد، وقد تشجع عليه أميركا وعلى الانطلاق منه لتكوين تحالف مُسلِم واسلامي واسع قادر دينياً وعسكرياً ومالياً على محاربة التطرّف وإرهابه.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)