كتب وحيد عبدالمجيد: الفرق كبير بين الفراغ والتفريغ. أولهما طبيعي، والثاني مصنوع. وينطبق ذلك على الساحة السياسية، كما على أي شيء آخر في الحياة.
ولذلك ينبغي على من يتحدثون عن فراغ سياسي الآن، بمناسبة ضعف الأحزاب وتهميشها في الانتخابات النيابية، التفكير قليلاً في طبيعة هذه الحالة التي يسمونها فراغاً ،من حيث سياقها التاريخي من ناحية، وعلى صعيد وضعها الراهن من ناحية ثانية.
تاريخياً، لم تتوافر للأحزاب السياسية في مصر منذ نشأتها ظروف طبيعية تعمل فيها وتنضج عبر التراكم المتواصل على مدى عدة أجيال، فقد حدث انقطاع متكرر حال دون تحقق هذا التراكم. لم تستمر مرحلة التعدد الحزبي الأول التي بدأت في 1907 سوى 7 سنوات، انتهت بإعلان الأحكام العرفية مع نشوب الحرب العالمية 1914.
ورغم أن المرحلة الثانية استمرت نحو ثلاثة عقود (1924-1953)، فقد تأثرت بتدخلات الملك والإنجليز، وأحاطتها ظروف غير طبيعية نتيجة الاحتلال البريطاني وأولوية الكفاح ضده.
أما المرحلة الثالثة، والممتدة بشكل أو بآخر حتى الآن، فقد بدأت مشوهة في ظل نظام تسلطي أراد تعدداً حزبياً صورياً لاستكمال أوراق اعتماده لدى الغرب، والتغطية على أكبر عملية نهب منَّظم لموارد الشعب المصري منذ أواخر السبعينيات.
ورغم أنه كانت هناك فرصة تاريخية عقب ثورة 25 يناير للبدء فيما كان مفترضاً أن نبدأه قبل قرن كامل عليها، مازال الارتباك الذي حدث بعدها، وكان بعضه مقصوداً، يحول دون الانطلاق إلى الأمام في مختلف المجالات وليس فقط في هذا المجال.
فقد تم تهميش الفئتين اللتين تضيفان حيوية سياسية على أي مجتمع، وهما الشباب والأحزاب. كان عدد معقول من الأحزاب قد بدأ ينشط بعد الثورة، وازدادت فاعلية الأحزاب التي خاضت المعركة ضد سلطة «الإخوان» من خلال «جبهة الإنقاذ» وغيرها، على نحو أتاح فرصة لبدء مرحلة جديدة تتسم بالحيوية.
ولكن تصاعد الهجوم على هذه الأحزاب، واعتماد نظام انتخاب يهمّشها ويجعلها أقرب إلى «ضيوف شرف»، بالتوازى مع الحملات المنظمة لتشويه السباب الأكثر تمسكا بالحرية، خلق الحالة التي يسميها البعض فراغاً سياسياً، بينما هي في حقيقتها تفريغاً ونزعاً للسياسة من المجتمع مرة أخرى.