علق الصحافي روبرت فيسك في مقالة له في صحيفة "إندبندنت"، على الغارات التي قام بها الطيران
المصري ضد مواقع
تنظيم الدولة في
ليبيا.
ويرى الكاتب أن البنتاغون والرئيس الأمريكي باراك أوباما سينظران بعين الرضا للحملة التي تقوم بها مصر ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، خاصة أنه عندما كان يرغب مع حلف الناتو بضرب التنظيم لم يجد له حلفاء، ولكن تصرفات التنظيم أدت إلى ولادة حلف عربي يقوم بضرب الجهاديين نيابة عن الغربيين.
ويقول فيسك إن "مذبحة شاطئ البحر، التي قتل فيها التنظيم 21 قبطيا، قادت المارشال السابق عبد الفتاح
السيسي إلى الحرب، كما أن إعدام التنظيم للطيار الأردني حرقا، أدى إلى استئناف الغارات، وشن 56 غارة، وعودة الإمارات العربية إلى التحالف، وإرسال مملكة البحرين مقاتلات حربية لتساعد الأردن في معركته. وما كان عرضا جانبيا، يقوم فيه طرف من الأطراف المتصارعة في ليبيا بقصف مقاتلي الدولة، تحول اليوم إلى تعاون مع مصر".
ويجد الكاتب أنه "لهذا، يشعر الرئيس أوباما ووزارة الدفاع بنوع من الرضا برؤية الأصدقاء المعتدلين في الشرق الأوسط، وهم يحلقون إلى جانبهم في النسخة الجديدة من (الحرب على الإرهاب). وحتى الآن يبدو كل شيء جيدا، فلا حاجة لإرسال قوات برية، ولن تتعرض حياة الأمريكيين للخطر، كما يقول التعبير الممل، إلا الحفنة من الرهائن الغربيين في الرقة. طبعا أي عراقي يعارض تنظيم الدولة، أي عراقي شيعي أو مسيحي أو ليبي أو غير ذلك ممن يواجهون حماقات تنظيم الدولة، فسيعاني نتيجة ذلك. ولكن ما يجري هو أنّ عربًا يقتلون عربًا، فالأمريكيون في مأمن، ومعهم الإسرائيليون".
ويضيف الكاتب أن "الكرة البلورية عادة ما تنكسر في الشرق الأوسط، خاصة عندما تتعالى صرخات (البرابرة) وتحلق المقاتلات في الجو، وعندها سيزعم تنظيم الدولة بانحرافاته وفروعه كلها أنه يقاتل أعداءه في العراق وسوريا والجزيرة العربية (اليمن) ومصر (سيناء) وليبيا والجزائر، بل إنه حتى حذر فرنسا والمتحدثين باللغة الفرنسية، في تلميح واضح للنخبة البرجوازية في الجزائر، ولا تنس إيطاليا عندما تبدأ أمواج البحر بغسل جثث آلاف من المهاجرين على شواطئها".
ويتابع فيسك قائلا: "دعونا نبدأ بمصر؛ فمنذ أن أطاح الرئيس الحالي المنتخب السيسي بالرئيس السابق المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي في عام 2013، وتنظيم الدولة بالفرع التابع له في سيناء يخوض حربا شرسة ضد قوات الأمن المصرية. ويحب السيسي أن يربط بين التنظيم والإخوان المسلمين، وهي أخبار سيئة للإخوان المسلمين ومؤيديهم ممن يقبعون في السجون المصرية، ولكنها أخبار سيئة للسيسي أيضا، فقد أظهر الإسلاميون قوة في سيناء، وها هم يفجرون قنابل في القاهرة دون أن يحصلوا على حلفاء من بين الإخوان المسلمين، والفضل يعود إلى الرئيس المصري".
ويعلق الكاتب إن "الغارات الجوية المصرية على (معسكرات التدريب ومخازن الأسلحة)، وهو بالضبط ما تقوم به الطائرات الأردنية، قد تكون غارات انتقامية لمقتل 21 مسيحيا، ونعرف أن أطفالا ونساء سيقتلون في الغارات المصرية".
ويبين فيسك أن "تنظيم الدولة الآن يريد الانتقام من الغارات المصرية، فهل ستكون هناك حملة تفجيرات جديدة في القاهرة؟ بالتأكيد نعم. وهل ستكون هناك حملة اغتيالات ضد السيسي؟ بالتأكيد نعم أيضا. فعندما قاتل حسني مبارك الإسلاميين في بلاده، فقد نجا بأعجوبة من 15 محاولة لقتله، واحدة منها كانت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وكان من بين المنفذين جنديان ينتميان للجيش المصري وللمجموعة التي حاولت اغتيال أنور السادات عام 1981. كان مبارك محظوظا، والسيسي كونه عدوا، فإن عليه أن يكون محظوظا أكثر".
ويذكر الكاتب أنه "بعد هذا كله، قام الإسلاميون بذبح 28 جنديا في سيناء قبل أربعة أشهر. وفي الشهر الماضي قام تنظيم الدولة بذبح 30 آخرين في عملية تفجير كبيرة على فندق عسكري وثكنة في العريش. واضطر السيسي إلى العودة من إثيوبيا، حيث تم نقل جنوده أشلاء في الطائرات إلى القاهرة. لم تعلن مصر حربها على تنظيم الدولة يوم أمس، فالطرفان يقتلان بعضهما منذ أكثر من عام".
ويرى فيسك أن التحالف العربي لا يبدو مثيرا للإعجاب، فقد تم نقل الطائرات الإماراتية إلى عمان، والسؤال هو: هل سيقودها طيارون إماراتيون أم أردنيون؟ وأرسلت البحرين مقاتلات حربية، ولكن هذه مملكة صغيرة، حيث إنها كانت تشعر بالتهديد من سكانها الشيعة عام 2011، ولهذا فقد طلبت مساعدة من الحكومات السنية.
ويعتقد الكاتب أن "تنظيم الدولة يحب إشعال حرب سنية- قبطية مسلحة في مصر، ما يعني إشعال الحرب من جديد، والتي تشتعل منذ عقود، وهو سيناريو بعيد عن التحقق. ولكن دعم مصر للجنرال خليفة حفتر، الذي يدعم الحكومة المعترف بها دوليا في بنغازي، لن يؤدي إلا إلى تعميق الحرب الأهلية".
ويختم فيسك مقاله بالقول، إن هناك رسالة واضحة في هذا كله للعرب؛ فواشنطن لديها جنرال مدرب في أمريكا يقود القوات الجوية الليبية، ومارشال مدرب في أمريكا يقود مصر اليوم، وملك في الأردن تعلم وتدرب في بريطانيا وأمريكا، ودولتان في الخليج تستثمر أمريكا فيهما الكثير، إلا أن الديكتاتور الذي يحاربه تنظيم الدولة لفترة طويلة وهو بشار الأسد يتم تركه الآن.