(1)
أعلن
السيسي أن مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد في المكان والزمان المناسبين، وبعد كلمته بساعات تم تنفيذ غارات جوية على "معسكرات ومراكز تدريب ومخازن لتنظيم
داعش" وفقا للبيان الرسمي للقيادة العامة للجيش المصري.
حسنا تم الرد على إجرام داعش، إلا أنه استوجب أسئلة أكثر لم يتم الرد عليها.
(2)
في ظل "الحكم الفعلي للأسد المنقذ" عقب 3-7 تم استهداف مصريين في
سيناء -بعمق 10 كم- بقصف إسرائيلي بزعم قصف منصة صواريخ "لإرهابيين"، ونشرت حينها صفحة الشرطة المصرية أن ذلك تم بالتنسيق مع الجيش المصري، ثم تم حذف التدوينة.
في ذلك الموقف لم يتم اختطاف مصريين وقتلهم خارج الأراضي المصرية، بل تم استهدافهم بعملية عسكرية، واختراق المجال الجوي المصري بعمق 10 كم ولم يتم إلقاء حجر حتى على العدو التاريخي.
من المهم التفرقة بين ما حدث للمصريين بليبيا وما حدث لهم بسيناء، مع التأكيد على أن الفعلين مجَرّمان ومرفوضان، وأنهما نالا من مصريين لا تفرقة بينهم، إلا أن وجه الفرق يتجه إلى الرد الرسمي والاستنفار الشعبي وكذا التعتيم على الحدث، فأول الأسئلة لماذا تمت التفرقة؟
التساؤل الثاني متعلق بالأزمة منذ تم اختطاف أول مجموعة من هؤلاء المصريين أواخر أغسطس من العام المنصرم، ولم يتم تسليط الضوء على الاختطاف بقدر ما تم على الجريمة التي حدثت، وكأنه لم يكن مطلوبا الالتفات إلى روح المصريين المهددة بقدر ما كان مهما الاستعانة بالكارثة لتحقيق أهداف أخرى، وهذا السلوك يتم التعبير عنه بمصطلح مكرر، "الإخوان يذهبون بأنصارهم للقتل لكسب الموقف السياسي بالتعاطف الشعبي"، ولا أدري هل تعلم الحكام الجدد من الإخوان؟ أم أن مبدأهم يتم إلصاقه بهم؟
أما الثالث فمتعلق بحجم وقدرات الجهاز الاستخباراتي "العسكري والعام" فإذا كان من الممكن تحديد أهداف "بدقة" -بحسب البيان- في خلال ساعات قلائل، فلماذا لم يتم تحديد موقع الخاطفين وهوياتهم على مدار ما يقارب الخمسة أشهر منذ اختطاف المجموعة الأولى؟ هذه السرعة تشير إلى أن العملية إما جاءت لمواقع تم التجهيز لضربها مسبقا كالقوى المعادية لحليف النظام المصري "حفتر"، ولم يعد خافيا أنه تمت ضربات جوية هناك بالفعل، أو أنه ضرب استعدائي بالخارج لامتصاص حالة الغضب بالداخل.
التساؤل الرابع طالما أنك تطرح الخيارات العسكرية على أراض أجنبية فلماذا لم تقم باختياره مبكرا بعملية تحرير لا انتقام؟ ورغم أهمية الرد على الأعمال العدائية إلا أنه جاء بعد ضياع الروح وكان حفظها أولى "لأنك أنت الدرع والسيف".
التساؤل الخامس متعلق بالضربة نفسها، التي قتلت مدنيين منهم ثلاثة أطفال، الأمر الذي سينسف كل ما يتم ترويجه عن أخلاقيات الجيش المصري، وهو أمر ينبغي عدم المراهنة به، ولو كان هناك مكان لداعش في تلك المنطقة المأهولة بالمدنيين، فمن غير المقبول أن يكون هناك قصف جوي أو أي عمل عسكري قد يضر بالمدنيين، بما في ذلك الضرر المتعلق بالمسكن أو الأمان الشخصي لهم، فالتساؤل ههنا "إذا كان النظام المصري أدان قصف الحركات بغزة للأراضي المحتلة؛ لأن ذلك يودي بحياة مدنيين، فلماذا تم تجاهل المدنيين هناك؟ وهل الدم الإسرائيلي أغلى عند نظام 3-7 من الدم العربي بليبيا؟ كذلك أثر القصف على المصريين هناك، الذي يبدو في صوره الأولى شديد الغضب، ولماذا تتم التفرقة بين عدائيات ذلك النظام التي وصلت للعسكرية مع الدول المخالفة له، في حين أن مجرد التصريح الذي كان يخرج من الأفراد غير الممثلين للدولة المنتمين للإخوان -في ظل حكمهم- كان يثير الدنيا ههنا، لأن الإخوان لا يعنيهم مصالح المصريين هناك؟
من غير الممكن أن يتم تبرير سقوط المدنيين بكوننا في حالة حرب، وأن سقوط الضحايا الأبرياء لا بد منه، ولو صح ذلك فما الفرق بين ما كان يتم ترويجه بأوساط المتطرفين بفتوى جواز قتل المُتَتَرِّس بالمسلمين وبين الجيش؟ وهل تحول هو كذلك لمؤسسة إرهابية إلا أنها "مقبولة" باعتبار التوصيفات الحداثية للدول بأنها الوحيدة المحتكرة للعنف؟ في تقديري أن التطرف مِن غير مَن يسمون أنفسهم بالإسلاميين، أشد خطرا من الدواعش وغيرهم، ففي أبسط تسطيحات النظر إلى المقارنة نجد أنهم الفعل دائما، وغيرهم رد الفعل.
(3)
إزاء ذلك يستمر الإعلام المصري في إدهاش أي متابع له؛ فداعش نسبت الجريمة لنفسها، إلا أن من بين بذيئي اللسان وناقصي العقل مَن ينسب الجريمة للإخوان لأن قائد مجموعة الإعدام كان يلبس الساعة في يُسراه، ولم يتضح بعدُ سبب ارتباط هذا النظام وأبواقه "بالساعات".
كذلك يقوم دائما بدفع الأزهر لوصف الدواعش بالكفار، وهي جريمة أخرى تنسب للإرهابيين -من غير الإسلاميين- الذين يملؤون الدنيا صراخا لأجل حرية العقيدة، وعدم جواز تكفير أحد، إلا أن البادي أن عدم التكفير لا يجب أن يصير إلى معتنقي أفكارهم، أما المخالف فهم يكفرونه قبل الهيئات الدينية.
مما يحسب للأزهر حتى الآن رفضه الانخراط في التكفير، حتى أن وكيل شيخ الأزهر رفض ذلك بشدة وقال إن التكفير يحتاج لتحقيق فردي، والحكم على الجماعة ككل غير صواب لأنه يشمل أفرادها، ومن بينهم أطفال ونساء ومغلوبون على أمرهم، فلا يمكن التكفير بهذا الشكل، إلا أن ما يقال إنهم مجرمون ويجب قتالهم. وذلك الموقف للأزهر محمود.
الوصف بالإرهاب ليس حكرا على مرتكب العنف بغير الحق من أصحاب الرايات السوداء واللحى، بل الوصف دائما ما يكون مجردا عن الشخوص، وتجريده يقول إن من يزعم الحرب على الإرهاب أشد إرهابا وهمجية ووحشية من المحارَب.
(4)
في حالات النكبات العامة يتشاطر الوطن كله العزاء والحزن، إلا أننا بمصر نقلب الهم الوطني لطائفي، وتزكي الدولة تلك الحالة بتوجه مؤسساتها الرسمية بما فيها الرئاسة لعزاء رأس الكنيسة، وكذلك تقوم الكنيسة بذلك الدور على أكمل وجه منذ أيام الراحل شنودة، وهي تسعد دائما بجمع "شعب الكنيسة" تحت راية البابا لا راية الوطن، وكل حادثة تصيب المسيحيين يتم الاستفادة منها لتوجيهها في ترسيخ العزلة، ومن أراد وطنًا للجميع فليكسر تلك العزلة، ولْيعزل من يريدها عن توجيه الأحداث لذلك المنزلق.
في ظل الفوضى والاستقطاب والتخوين صار مهما توضيح أن المقصود ليس رفعة مقام أحد دون آخر وأن هؤلاء مسيحيون لا يعنينا قتلهم، بل المقصود صرف النظر إلى الورطة التي تهوي بها البلاد إلى أدنى ما يمكن الوصول إليه في ظل حكم "الأسد المنقذ حامي الحمى ومبعث الأمان".
أقرّ الله أعين أسر الضحايا وخالص العزاء لهم.