مع تداعيات وردود أفعال جريمة الإعدام الوحشي للطيار الأردني معاذ
الكساسبة من قبل تنظيم داعش مؤخرا، تكون الاستعدادات الدولية والإقليمية لحرب إقليمية كبرى ضد الجماعات المسلحة قد دخلت في مجال العد التنازلي؟، فالعراقيون الذين تسيطر داعش على مساحات واسعة من أراضيهم في غرب وشمال البلاد يتحدثون عن استعدادات عسكرية قوية ويحاولون بناء منظومة عسكرية وأمنية داخلية.
رغم المصاعب الاقتصادية تحاول إدارة دفة
الحرب القادمة عبر التنسيق بين الجيش الحكومي الذي يعاني من نتائج هزيمته الصيفية الأخيرة وبين الميليشيات الطائفية المسلحة إضافة للتعاون المباشر مع الجيش الكردي (البيشمركة) والذي أعلن وزيرها جبار الياور عن أرقام خسائر بشرية كبيرة بين صفوفها بلغت الألف قتيل وأربعة آلاف جريح! وهي خسائر ليست بالهينة أبداً وتعبر عن الطبيعة القاسية للمعارك الجارية، والمهم هو إعلان الوزير الكردي أن البيشمركة ليست قادرة وحدها على الدخول لمدينة
الموصل لتحريرها من سطوة داعش!! فالعملية أكبر بكثير من قدرات الجيش الكردي المحدودة! وهو ما يعني بلغة الأرقام العسكرية وحساباتها الاستراتيجية المعقدة بأن الموضوع أكبر بكثير أيضا من قدرات الجيش العراقي والميليشيات العاملة معه وتحتاج لتدخل بري مباشر من قوات التحالف التي تنزل إلى الأرض ولا تكتفي بالقصف الجوي عديم الفعالية من ناحية الحسم الميداني للمعركة.
معركة الموصل ستكون ملحمية بكل أبعادها والبنتاجون في عهد الديمقراطيين لا يمكن له أبداً أن يغامر بإرسال الجيش الأمريكي من جديد للوحول العراقية ورمالها المتحركة، القرار خطير جدا وبحاجة لرئيس جمهوري يحقق الغرض النهائي قد يكون جيب بوش شقيق الرئيس السابق جورج بوش الابن أو قد يكون غيره! ولكن الديمقراطيين ليسوا على استعداد في الفترة الحرجة المتبقية من عمر إدارتهم لدخول المغامرة والتي لا تحتمل أي انتكاسة في حال خوضها؟ المهم أن الأمريكان تحت مختلف الظروف لن يغامروا بإنزال قواتهم على البر ما لم يتم بناء تحالف عربي ودولي فاعل تبدو الظروف الراهنة غير مواتية له من جوانب عديدة سياسية واقتصادية وحتى نفسية، العراقيون من جانبهم يعيشون حالة تعبئة عسكرية مستمرة من خلال عسكرة المجتمع العراقي والتي بلغت حدا متوحشا ومثيرا للقلق على صعيد مستقبل العراق الموحد في ظل صيحات الثأر والانتقام العشائرية، الواقع الميداني يؤكد بما لا يدع مجالا لأي شك بأن أداء الميليشيات العسكري قد يكون نافعا في معارك صغيرة ولكنه سيكون كارثيا في معركة كبرى كمعركة الموصل.
وحينما وضع البنتاجون الأمريكي سقفا زمنيا لحرب داعش قد يستمر لخمسة أعوام قادمة لم يكن يبالغ في التقدير أو يرسم معالم إحباط؟! بل كان التقدير بناء على دراسة ميدانية ممنهجة، لقد تمكن الجيش الإسرائيلي مثلا من احتلال كامل صحراء سيناء في 5 يونيو 1967 خلال أيام قليلة لم تتعد الخمسة فقط لا غير! بينما استغرق تحريرها أكثر من ثلاثة أسابيع من الحرب الشرسة في 6 أكتوبر 1973 تلتها سنوات من المفاوضات منذ عام 1978 وحتى جلاء الجيش الإسرائيلي عنها في ربيع عام 1982!
معركة الموصل من خلال استعداد مختلف الأطراف ستكون من أشد المعارك شراسة منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية ومعركة تحرير الفاو تحديدا عام 1988 والتي استمر الإعداد لها أكثر من عامين بعد سقوطها بيد الجيش الإيراني عام 1986 وحيث قدم الجيش العراقي أكثر من 55 ألف ضحية في وضع جيوسياسي كانت للعراق فيه الكفة الراجحة؟ فكيف اليوم والعراق يعيش أصعب لحظاته وفي ظل انهيار المعنويات وتداخل كل الخطوط والتوجهات...؟!، بصراحة دون تدخل بري ودولي مباشر على الأرض فلا ينتظر لمعركة الموصل إلا أن تكون كارثة دموية مروعة على مختلف الأطراف، والأمريكان بين خيارين أحلاهما مر؟، فعدم الحسم السريع سيؤدي لتفكك التحالف الدولي؟ كما أن الدخول السريع للمعركة قد يفجر مفاجآت غير سارة على صعيد حجم وطبيعة الخسائر التي ستصيب أطراف النزاع؟ في كل الأحوال ثمة كارثة سوداء تتجسد في سماء
الشرق الحزين!.. والله يستر!
(نقلا عن صحيفة بوابة الشرق)