تزاوج رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والانتقال السلس للسلطة للملك سلمان بن عبدالعزيز، مع حمولة كبيرة من التحليلات والقراءات والتوقعات بأن تشهد السياسة الخارجية
السعودية تطورات مختلفة في المرحلة المقبلة.
بالضرورة، ليس من المتوقع أن تكون هناك تغييرات جوهرية أو جذرية في السياسة السعودية؛ داخلياً وخارجياً. لكن هناك أيضاً مساحة واسعة من الممكن، وربما ضروري أن يجري فيها الملك الجديد تغييراً وتعديلات هيكلية، بخاصة في السياسة الخارجية السعودية، بعد أن شهدت الفترة الأخيرة تحولات إقليمية مزعجة وغير مطمئنة على مختلف الأصعدة المرتبطة بالأمن الوطني السعودي والخليجي على السواء.
المنعطف الأكثر أهمية الذي يمكن أن يجري فيه الملك "استدارة" منطقية، تعيد ترسيم المعالم العامة للسياسات العربية التي تمثّل السعودية اليوم أحد أهم وأبرز صانعيها، هي إعادة النظر في المقاربة الرسمية تجاه الحركات الإسلامية التي جعلتها جميعاً في بوتقة واحدة، بوصفها حركات إرهابية متطرفة، وخلقت حالة من الصراع غير المعلن مع تركيا وأزمة مع قطر اللتين اختلفتا في الموقف من إدماج الإسلام السياسي وحركات التغيير في المنطقة. وتبع ذلك -بطبيعة الحال- الموقف من الأحداث في مصر وليبيا واليمن، وحتى العراق وسورية.
خلال الفترة نفسها، تشعب الاصطفاف الإقليمي إلى ثلاثة خنادق: التركي، والإيراني، والعربي المحافظ. وحدث تحول كبير في السياسات الرسمية العربية في الآونة الأخيرة، بجعل أولوية الصراع مع الإسلام السياسي (بألوانه كافة مع السياسات التركية، والقطرية قبل التفاهمات الخليجية الأخيرة) مقدّمَةً على الخلاف التاريخي السياسي مع إيران؛ فارتبكت السياسات العربية تجاه سورية والعراق، وتراجعت كثيراً في لبنان واليمن، واتخذت مساراً حاداً في دعم الانقلاب العسكري في مصر والحركات المضادة للإسلاميين في ليبيا وتونس.
في نهاية اليوم، لم تكن نتائج هذه المقاربة مشجّعة، إن لم تكن كارثية على العالم العربي. فالصراع مع الإسلاميين والأتراك عزّز الأزمات الداخلية وحالة الفوضى في أغلب الدول العربية. وأكّدت أحداث ذكرى ثورة يناير في مصر أنّ الشعوب مهما جرى ترويعها وتخويفها وقمعها، لن تتعايش مرّة أخرى مع الاستقرار السياسي الهشّ الخادع، الذي يقوم على فزّاعة مجترة فارغة؛ إما العصا أو الفوضى!
"الاستدارة الذهبية" التي من الممكن أن يقوم بها الملك السعودي الجديد، تتمثل في أن يصوّب المسار العام للسياسات العربية، ويضعها في إطار مقاربة ناجعة تستدعي رأب الصدع الداخلي العربي، والخروج من حالة الاستقطاب الراهنة، والظروف التي تعزز من حضور ونفوذ وانتشار التيارات الراديكالية في العالم العربي، كما هي حالة "داعش".
مآل هذا التحول المنشود يستدعي البحث عن مسار بديل للتفاهمات الداخلية الوطنية في كل من مصر وليبيا واليمن، والحوار مع تركيا للوصول إلى قواسم مشتركة تجاه ملفات المنطقة، ما يساعد على إعادة بناء الموقف العربي بصورة أكثر توازناً ومنطقية، ويمنحه درجة أكبر من القوة.
ينتظر كثير من المراقبين ما يمكن أن يقوم به الملك الجديد تجاه ما يحدث من أخطار في اليمن، بعد أن سيطر الحوثيون على الحكم في صنعاء، وتمددت "القاعدة" في الجنوب. لكن هذا الملف يمثّل امتداداً لأزمة إقليمية أكبر، تمثلت في الرهانات العربية الخاطئة والنفوذ الإيراني، والأهم من هذا وذاك هي التحولات الأميركية اللافتة تجاه إيران باعتبارها قوة إقليمية، ما يعني التسليم بنفوذها الجديد، وتراجعاً استراتيجياً في قيمة التحالفات العربية-الأميركية!
يجد الملك سلمان نفسه في لحظة تاريخية مفصلية وحاسمة، فيما تتطلب المقاربات العربية الراهنة مراجعات كبيرة، بعد الفشل المتراكم في أغلب الملفات الإقليمية. فهل سنرى نقطة تحول؟
(نقلا عن صحيفة الغد الأردنية)