كتبت رولا خلف، المحررة في صحيفة "فايننشال تايمز"، معلقة على دعوات
إصلاح الإسلام؛ قائلة إن هذه الدعوات تظهر في ظل الأزمات، ولكنها في الحقيقة لن تؤدي إلى نتائجها.
واستحضرت خلف في هذا السياق الدعوة التي نادى بها الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي لإحداث ثورة في الإسلام، التي لم يلتفت إليها أحد قبل أحداث
باريس في 7 كانون الثاني/ يناير الحالي.
وتقول الكاتبة: "عندما قرأت دعوات عبد الفتاح السيسي لإصلاح الإسلام تخيلت رسما كاريكاتوريا لـ(شارلي إيبدو) عن الرسول".
وتضيف: "قبل أيام من المجزرة في باريس ضد المجلة الساخرة، التي آلمت فرنسا، دعا الرئيس المصري، الذي يقدم نفسه على أنه صوت متنور ضد التطرف السني، إلى ثورة داخل الإسلام. وقال لشيوخ جامعة الأزهر، مركز التعليم في العالم الإسلامي، إنه (ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخراب والقتل والتدمير في الدنيا كلها)".
وتشير خلف إلى أن خطابه "لم يثر اهتمام أحد قبل هجوم باريس. لكن بعدما حدث الهجوم أصبح البعض يرى فيه ردا متنورا ضد الراديكالية الإسلامية، بل وفكر البعض بأن السيسي أصبح (
مارتن لوثر العالم الإسلامي)".
وتذكر الكاتبة أن هذا التفكير مشكوك فيه؛ لأن الجنرال السابق قاد عام 2013 انقلابا ضد حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة، ومنذئذ وهو يقوم بحملة شرسة ودموية ضد الجماعة وقمع الإعلام. وعليه "فلن يكون قائدا إصلاحيا".
وترى خلف أنه "صحيح، أنه يتحدث كلاما معقولا وربما كان مؤمنا بالفكر الإسلامي المعتدل، لكن أفعال حكومته قد أسهمت في تزايد الراديكالية، وفاقمت حس الإسلام بالضحية. كما أن لديه مشكلة في السخرية أيضا، فقد أنهت السخرية الرقيقة مسيرة المذيع الساخر باسم يوسف".
وتجد الكاتبة أنه "عادة ما ترافق الهجمات الإرهابية الكبيرة دعوات لإصلاح الإسلام، ولكن علينا الانتظار طويلا قبل أن يظهر مارتن لوثر. ففي الإسلام لا توجد كنيسة ولا طبقة رجال دين، وهناك عدة مدارس تفكير، وتفسير النصوص يقوم على إجماع المؤسسات الدينية. ويؤكد العلماء كلهم أن الجهاديين يسيئون تفسير الإسلام، وأن الغالبية العظمى من المسلمين لا تلجأ عادة إلى استخدام العنف، وهذا لا يعني عدم الحاجة للإصلاح".
وتبين خلف أن "أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 شهدت نقاشا نادرا رحب به الكثيرون حول أيديولوجية وتعاليم الحركة
الوهابية وممارساتها في السعودية، ودورها في تضليل الشباب. وتم منح الليبراليين صوتا من أجل تقديم رؤيتهم، وأصبحت لغة الشيوخ أكثر اعتدالا، وبعدها قل الضغط، ومعه اختفى الإصلاح".
وتتابع الكاتبة بأنه "في العام الماضي، قام بعض الليبراليين، الذين شاهدوا صعود الدولة الإسلامية، بانتقاد أساليب التفسير الديني".
وتعتقد خلف أن الحل "يكمن في جزء منه في الوضع السوسيو اجتماعي الذي تعيشه دول الشرق الأوسط، من التي تحكمها أنظمة استبدادية، وتعيش فوضى ومشاكل، وأحيانا علاقات غير منطقية وعقلانية مع الغرب".
وتوضح الكاتبة أن "مراكز مثل الأزهر (الذي قام بدعم الانقلاب)، ستكون قادرة على نشر الاعتدال، لو كانت تعمل في مناخ سياسي حر ومفتوح. وينظر إليها الآن كأذرعة للأنظمة التي تستغلها لمصالحها السياسية. وفي بعض الحالات يتم تشجيع المؤسسات على اعتناق أفكار راديكالية لتعزيز شرعية الحكومة. وفي الوقت نفسه، فإنه ينظر إلى أي عالم يتبنى الأفكار الليبرالية للقرآن والحديث على أنه تهديد سياسي".
وتلفت خلف إلى أن "معهد دراسات حقوق الإنسان في القاهرة أكد في تعليقه على أحداث (شارلي إيبدو) أهمية الإصلاح الديني في العالم العربي، ولكن هذا الإصلاح لن يتحقق دون إصلاح سياسي".
وتفيد الكاتبة بأنه "ستكون علامة تقدم، مثلا، لو سمح بالنقاش الديني دون أن ينتهي الشخص الذي يشارك فيه خلف قضبان السجن".
وتجد خلف أنه من المفارقات الحزينة، أنه بعد يومين من الغضب الذي سببته هجمات باريس، قامت الحكومة السعودية بجلد مدون سعودي 50 جلدة (وهناك 950 أخرى سيتلقاها مع عشرة أعوام سجن)، لأنه قام بإدارة موقع ليبرالي اتهم بالتهجم على السلطات الدينية. وفي الأسبوع نفسه قامت السلطات المصرية بسجن طلاب لمدد تصل إلى ثلاثة أعوام، بعد اتهامهم بكتابة مقالات تهاجم الإسلام على الفيسبوك.
وتخلص الكاتبة إلى أنه "في مناخ من اللاتسامح والاستفزاز لن يحدث أي إصلاح، علاوة على تحقيق إصلاح في الخطاب والأيديولوجية الدينية".