قبل شهرين، التقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى
ليبيا برناردينو ليون، بالأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، ليخرج ليون بعدها معلنًا في مؤتمر صحفي أنه يعمل مع كل الفرقاء في ليبيا من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي وليس مجرد "حوار من أجل الحوار".
ولام أحد الصحفيين العاملين في فضائية موالية لـ"جناح طبرق" في الدولة الليبية، ليون على زيارة قام بها إلى طرابلس للقاء مفتي عام ليبيا الصادق الغرياني، فكان رده أن "الميليشيات المسلحة موجودة على الأرض، ولا بد أن نتفق معهم، ونحتاج لمساعدة كل الأطراف، لذا التقينا بالمفتي للمساعدة في ذلك".
هذا التوجه نحو الحل السياسي، الذي دفع ليون لزيارة طرابلس وطلب مساعدة المفتي، بدا للمهتمين بالشأن الليبي أن فرصه تتراجع بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها جان إيف لودريان وزير الدفاع الفرنسي، إلى القاعدة العسكرية الفرنسية في النيجر الخميس الماضي.
وتتواجد القاعدة في منطقة "ماداما"، أقصى شمال النيجر، وهي منطقة على الحدود مع ليبيا، حيث تمتلك فرنسا قاعدة عسكرية، وهي القاعدة الثانية التي تجهزها فرنسا في النيجر، بعد القاعدة الجوية التي افتتحتها بالعاصمة، نيامي، في بداية 2013، بعد تدخل الجيش الفرنسي في شمال مالي.
ونظر مراقبون للزيارة على أنها رسالة لاحتمالية التدخل العسكري في الأزمة، وحملت تصريحات لودريان حينها تلويحا بذلك، عندما قال: "ليبيا في حالة فوضى وهي مرتع للإرهابيين الذين يهددون استقرار النيجر وبشكل أبعد فرنسا".
وفي وقت كان المهتمون بالشأن الليبي ينتظرون فيه تصريحًا أكثر وضوحًا، جاء تصريح الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، أمس الاثنين، لإذاعة "فرانس إنتر"، لينفي أي نية فرنسية نحو التدخل العسكري.
وعاد أولاند للحديث مجددًا عن الحل السياسي، وقال: "فرنسا لن تتدخل في ليبيا، لأنه يتعيّن أولاً على الأسرة الدولية تحمل مسؤولياتها والسعي لإطلاق حوار سياسي لا يزال غير قائم، وثانيًا إعادة النظام".
وحثت الأمم المتحدة الاثنين، جميع الأطراف المتصارعة في ليبيا على ضرورة إجراء جولة الحوار الوطني من أجل المساعدة في الخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغريك، في تصريحات للصحفيين، في نيويورك، إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لا تزال تجري مشاوراتها مع كل الأطراف في ليبيا من أجل التوصل إلى اتفاق حول موعد الحوار الوطني ومكانه.
ولم يختلف الحال كثيرًا في المواقف المعلنة من جانب إيطاليا، التي "ناورت" هي الأخرى بتصريحات تبدي فيها استعدادها للتدخل العسكري، لكنها في التصريحات نفسها تضع شروطًا للقيام بذلك.
وأبدى وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني، في تصريحات تليفزيونية، يوم 5 كانون أول/ ديسمبر الماضي، استعداد بلاده للتدخل العسكري في الأزمة الليبية، لكنه وضع شروطًا بدت تعجيزية للقيام بذلك.
وقال جينتيلوني: "لا بد أن يسبق أي تدخل عسكري عملية تفاوض تمهّد لانتخابات جديدة، تضمنها حكومة حكيمة، والتي في غيابها لن يؤدي ظهورنا بالزي العسكري إلا إلى المجازفة بمزيد من سوء الأوضاع".
ولا تتخذ الولايات المتحدة من جانبها مواقف واضحة حيال التدخل العسكري، ولا يزال موقفها الرسمي يتحدث عن الحوار، في حين تتحدث تقارير صحفية نقلا عن مصادر لم تسمها أنها تنسق عسكريا مع دول الجوار (تونس- الجزائر- مصر)، من أجل القيام بعمل عسكري.
وتبدو مواقف دول الجوار الليبي أكثر وضوحا حيال الأزمة الليبية، فبينما تؤيد دول الساحل (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو) التدخل العسكري بشكل واضح، يبدو الموقف الجزائري الرسمي مائلا نحو الحوار مع كل الأطراف، فيما تُتهم مصر بالدعم الواضح لأحد أطراف الصراع في ليبيا، وتتهم السودان بدعم الطرف الآخر.
وعقدت دول الساحل في 19 كانون أول/ ديسمبر الماضي قمة رئاسية حضرها الرؤساء الخمسة، ودعوا فيها بشكل واضح إلى ضرورة التدخل العسكري في ليبيا.
وقال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في مؤتمر صحفي عقده في ختام القمة، إن "دول الساحل الأفريقي (مجموعة الخمسة) تقدمت بطلب رسمي لمجلس الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي من أجل تشكيل قوة دولية للتدخل العسكري بليبيا".
ويستفيد أصحاب هذا التوجه من حادث قتل 14 جنديًا في جنوب ليبيا، الذي أعلنت عنه حكومة عبد الله الثني السبت الماضي، للتأكيد على أهمية التدخل العسكري، لا سيما بعد إعلان "تنظيم داعش" في ليبيا مسؤوليته عن الحادث.
وتخشى الدول الغربية وجيران ليبيا من أن تسعى الدولة الإسلامية وبعض الجماعات لاستغلال فراغ السلطة في الدولة المنتجة للنفط.
ولا تعلن مصر- رسميًا- من جانبها ميلاً نحو التدخل العسكري الدولي في ليبيا، لكن تصريحات للواء خليفة خفتر، المحسوب على حكومة طبرق، تتحدث عن تلقيه دعمًا من مصر.
وقال
حفتر في حوار مع صحيفة الشروق الجزائرية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي تعليقًا على تقارير صحفية تحدثت عن تلقيه دعما مصريا: "ممكن هناك دعمٌ بالسلاح، لمَ لا؟ لكن لم يصل إلى حدّ الطائرات أو دعم بالأفراد.. كذلك هنالك بعض الأمور اللوجستية تأتينا أحيانا وهذا شيء طبيعي، يعني من التموين وغيرها من الأشياء الإدارية".
ومثل مصر، تتهم السودان بدعم الطرف الآخر من الصراع في طرابلس، المحسوب على التيار الإسلامي، وأصدرت حكومة البرلمان بطبرق بقيادة عبد الله الثني، بيانا في وقت لاحق تحدث عن اختراق طائرة عسكرية سودانية للمجال الجوي الليبي، وفيها شحنة ذخائر غير مطلوبة رسميا لصالح الدولة الليبية، واستنكرت حكومة طبرق دخول ما وصفتها بطائرة عسكرية سودانية مجال ليبيا الجوي دون إذن أو طلب رسمي، "ما يعد خرقا للسيادة الوطنية".
وردت الخارجية السودانية على بيان طبرق، ببيان قالت فيه إن "السودان ظل حريصا على أمن واستقرار ليبيا، وإن هذه هي سياسته الدائمة، وإنه لا مصلحة له بالتدخل في شؤونها الداخلية، كما أنه لا مصلحة له في استمرار حالة عدم الاستقرار التي تعيشها".
وأكدت الوزارة أن الخرطوم ظلت تحافظ دائما على مسافة متساوية من كل الفرقاء الليبيين "انطلاقا من مؤتمر الجوار الليبي" الذي عقد في آب/ أغسطس الماضي.
وتتخذ الجزائر من جانبها، موقفا يدعو إلى مساعدة الفرقاء الليبيين للخروج من جدلية المواجهة وتغليب مسار الحوار من أجل الوصول إلى تسوية سياسية لهذه الأزمة المستمرة منذ ثلاث سنوات.
وقال عبد القادر مساهل، الوزير الجزائري المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية، في تصريحات صحفية، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي: "الجزائر ترى أن التسوية السياسية ستؤدي إلى عزل التنظيمات الإرهابية وستسمح بالحفاظ على الوحدة الوطنية وإرساء دعامات قيام دولة حديثة وديمقراطية".
ويتطابق الموقف التونسي مع موقف الجزائر، وعكست تصريحات المسؤولين التونسيين إبان تولي محمد المنصف المرزوقي رئاسة الجمهورية، رفض تونس لأي تدخل عسكري في ليبيا.
وخلال لقائه مع عقيلة صالح عيسى رئيس مجلس النواب الليبي في مقر بعثة تونس الدائمة بالأمم المتحدة خلال مشاركته بالجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، دعا المرزوقي كافة الأطراف السياسية الليبية لتغليب الحوار من أجل الوصول إلى حل توافقي في إطار الشرعية، مشددا على استعداد تونس للمساهمة مع دول الجوار في مساعدة الأشقاء الليبيين على التوصل إلى مخرج سياسي للأزمة الراهنة.
ويبدو "جناح طبرق" في الحكومة الليبية مشجعا للتدخل العسكري، وطالب رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح أمس الاثنين بتدخل عسكري للمجتمع الدولي في ليبيا، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية بالقاهرة.
وقال عقيلة: "على المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية دعم الشرعية الوحيدة في ليبيا الممثلة في برلمان طبرق، وحماية المنشآت الحيوية في ليبيا ومساعدة الشعب الليبي في بناء مؤسساته وبناء دولة الحق والقانون".
ويرفض الطرف الآخر التدخل العسكري في ليبيا. وفي تصريحات صحفية لوكالة الأناضول في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، قال عمر حميدان المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام في طرابلس، إن موقف المؤتمر واضح من رفض التدخل الأجنبي عسكريا في ليبيا.
وأضاف: "نرحب بأي مساعدة لبناء الدولة في مسارها الديمقراطي من أي صديق دولي"، مشيرا إلى أن "شؤون ليبيا الداخلية هي شأن ليبي يمكن التفاوض عليه والحوار من قبل الفرقاء، وهو الأساس السليم الذي ستبنى عليه دولة ليبيا، وعلى المجتمع الدولي دعم هذا الخيار، أما التدخل الأجنبي فلن يكون مجديا".
ويؤمن الرافضون لفكرة التدخل العسكري، أن هذا التدخل من شأنه تعقيد الصراع الليبي، وتحويل ليبيا إلى بؤرة تجمع الإرهابيين من كافة أنحاء العالم.
ويؤيد هذا التوجه جيسون باك، الخبير في الشأن الليبي في جامعة كامبريدج في بريطانيا، الذي قال في تصريحات صحفية نشرت خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في مجلة "فورين بوليسي": "إن التدخل المصري العسكري سيعقد الصراع الليبي وستكون له عواقب غير متوقعة، حيث سيرتكب الغرب حينها الخطأ نفسه الذي ارتكبه في العراق وأفغانستان".
هذا التناقض في المواقف داخليا، وكذلك دوليا، بين دول غربية تلوح بالحل العسكري ثم تتحدث عن الحل السياسي، ودول جوار تؤيد
الحل العسكري بشكل قاطع، وأخرى تؤيد الحوار، وثالثة تختار الانحياز لطرف دون الآخر.. كل ذلك يزيد من عمق الأزمة، في ظل انقسام داخلي يزداد عمقًا، لتضيع معه أي فرصة للحل السياسي، ويبقى الحل الأقرب هو التدخل العسكري.