إخوان مصر والفرصة الغير متاحة

منذ أن قرر الشيخ "حسن البنا" أن يدخل المعترك السياسي في مصر في منتصف ثلاثينيات القرن المنصرم أتيحت لجماعة الإخوان المسلمين _الجماعة التي أسسها الشيخ حسن البنا وتعتبر اللاعب السياسي الأبرز في مصر منذ تأسيسا_ عدة فرص سياسية واجتماعية لم تعوض ,كان أولها :الصعود الشعبي والتمدد المجتمعي في أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن العشرين وبدلا من أن تستثمر الجماعة صعودها السياسي والمجتمعي في زخم شعبي وأهداف تنتمي للأمة والشعب فضلت الجماعة الاستثمار داخل الجيش فيما عُرف ب"الضباط الأحرار" وأعطتهم الثقة وأقنعتهم أن مصير ذلك الشعب على عاتقهم .

حدث انقلاب 52 الذي قاده الضباط الأحرار وأيده وساعده الإخوان المسلمون ,ثم من عام 1952 إلى عام 1954 كان لايزال نظام الحكم في مصر لم يستقر وحدثت خلافات بين المرشد العام "حسن الهضيبي" وعبد الناصر كان لدى الهضيبي فيها كثير من أوراق الضغط حتى أن عبد الناصر ألغى قار الحل الذي كان قد أصدره بشأن جماعة الإخوان لكن الجماعة والمرشد العام لم يستغلوا ذلك الزخم في الدفع نحو أهداف محددة وساد الصمت الذي سبق عاصفة مذبحة الإخوان في 1954.

بعد عدة عقود إذا أستثنينا تنظيم 1965 الذي قادة الشهيد سيد قطب ضد الدولة أتيحت أيضا فرصة أخرى للإخوان كان ذلك في تسعينات القرن العشرين ,كان الإخوان في حالة صعود شعبي ومجتمعي  زاد  عليه انخراطهم في أغلب النقابات المهنية والعمالية ,على مستوى التنظيم أكتمل البناء التنظيمي للجماعة منذ التأسيس الثاني في السبعينات بعد ان تلقى عدة ضربات أمنية مميتة  في عهد عبد الناصر حيث انتظمت الأسر وأكتمل التوزيع الجغرافي الهيراركي للتنظيم على أغلب الأقاليم لدرجة أنه أصبح يمتلك هيراركية موازية للدولة وبنفس شكل بنائها وتوزيعها.

وعلى المستوى السياسي كان النظام السياسي المصري كله مشغول بحربه مع الجماعة الإسلامية التي شكلت خطرا حقيقيا على الدولة وعدوا قويا لدولة رجال مبارك أثناء صعودها ,في ظل تلك الأجواء كانت الجماعة تستطيع أن تواجه الدولة بل وتهزمها خاصة مع توسع رجال الأعمال الإسلاميين مثل خيرت الشاطر وحسن مالك ,لكن الجماعة لم تجرأ على خطوة مثل تلك وفضلت المشاركة البرلمانية الصورية التي كان يتيحها النظام للجماعة إلى أن أنتبه النظام لخطورة الجماعة وتمددها في الأعوام التالية مع بداية القرن الحادي والعشرين ثم بدأ مسلسل التحجيم مرة أخرى .

بعد الثورة المصرية كان لدى الجماعة تاريخ طويل من الفرص الضائعة وتاريخ أخر من الإخفاقات ,قررت الجماعة أن تغير عقليتها أو كما أعلنت لكنها أبدا لم تستطيع أن تتخلص من عقلها السياسي الذي شكلته تلك الأحداث السابقة كلها 

كان كل تأخير وكل قرار أحمق أو قرار جيد منذ الثورة المصرية في يناير 2011 إلى لحظة فض اعتصامي رابعة والنهضة تتداخل في تكوينه عدة عوامل منها ما يعتمد على ذلك التاريخ المرير ومنها ما يعتمد على بنياوية الجماعة نفسها والمتغيرات بداخلها ومنها ما كان يعتمد على الشخصيات التي تتخذ تلك القرارات سواء في مكتب الإرشاد أو مكتب الشورى الذي ينتمي أغلب أعضائها لجيل السبعينات ذلك الجيل المشؤوم .

بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة كان أمام الإخوان فرصة أخيرة للمواجهة الشاملة مع الدولة المصرية فقد كان الزخم في قمته يوم الجمعة 16 أغسطس بعد الفض بيوم واحد ,واستمرت الفرصة متاحة طوال الأشهر التالية لكنها ما لبثت أن ضمرت بعدما أستقر نظام السيسي ووصلت المظاهرات لنقطة الصفر في الفاعلية والجدوى .

في الفترة الأخيرة يبدو أن هناك تنافس داخلي في جماعة الإخوان على القرار لا أعلم هل تم حسمه أو لا بعد قرار تنحية محمود حسين عن منصبه الحالي في الجماعة فيمكن أن يكون التنافس بين مجموعة تركيا ومجموعة مصر قد حُسم لصالح مجموعة مصر التي استردت القرار ,هذا التكهن لو كان صحيحا فاتجاه إخوان مصر سيكون إما نحو التصعيد الصفري ضد النظام أو قبل المصالحة تحت شروط وهي الاستراتيجية المفضلة تاريخيا لدى الإخوان تحت عنوان "التفاوض تحت ضغط وبيل الرصاص " وفي حين ان المظاهرات لم تنجح في تحقيق "ضغط وبيل الرصاص" فربما أنهم سيتجهون لاستخدام رصاص حقيقي .

عدة مؤشرات منها الإقليمي ومنها المحلي يشير ان الإخوان يتجهون لمزيد من التصعيد لكن السؤال هل في ظل هذا المناخ الإقليمي والمحلي هذه الفرصة متاحة؟

مؤشر أخر يشير أن المؤيدين للإخوان خاصة من الشباب ابتدوا في التسرب من تحت طوع الجماعة كما ان أفكار القاعدة والدولة الإسلامية ابتدأت التسرب داخل أروقة التنظيم الذي لم يكن ليسمح بذلك بتاتا من قبل ,فهل سيكون اتجاه الإخوان للتصعيد هو مل تنظيمي للم الشمل مرة أخرى وما هو المتاح وغير المتاح في ذلك المسار بالنسبة لبنية تنظيمية أصبحت غير مناسبة لذلك الطريق ؟
وأخيرا ماذا يمنع من تكرار تجربة أخوان سوريا في حماة عام 1982 وما سبقها في مصر ؟!!!!