تزايدت مؤشرات
الفساد في مؤسسات الدولة
اليمنية، إذ ما تزال اليمن في ذيل البلدان من حيث مكافحة الفساد والحد من انتشاره، وهذا ما يؤكده ترتيب اليمن في مؤشرات مدركات الفساد العالمي 2014 الصادر الأربعاء،عن منظمة
الشفافية الدولية.
وتقدمت اليمن هذا العام بدرجة واحدة عن مستواها في العام الماضي بفارق نقطة واحدة والذي كان 18 درجة،حيث حصلت اليمن على 19 من مئة، باعتبار الدول الأقرب الى الصفر هي الأكثر فسادا في القطاع العام، ومنها الحكومة اليمنية.
وقالت المجموعة اليمنية للشفافية والنزاهة إن "تقدم اليمن درجة عن العام الماضي، في مؤشر مدركات الفساد العالمي، تشير الى الوضع الكارثي لمستوى الفساد في مؤسسات الدولة المختلفة، الأمر الذي ينعكس سلبا على التنمية، الذي من شأنه زيادة نسبة الفقر ومعانات المواطن على مختلف المستويات".
وعبرت المجموعة اليمنية للشفافية والنزاهة عن قلقها إزاء هذا المنحنى، معربة عن خيبة أملها من عدم قيام منظومة مكافحة الفساد في اليمن بالدور المنوط بها في هذا الشأن.
وعللت المجموعة اليمنية، في بيان، انتشار الفساد "إلى غياب الإرادة السياسية الجادة في مكافحة الفساد وتجفيف منابعه واسترداد الأموال المنهوبة الناتجة عنه"، مطالبة الحكومة اليمنية "بالوفاء بالتزاماتها فيما يخص مكافحة الفساد الذي نص عليها اتفاق السلم والشراكة، بهدف الحرص على المضي قدما في مكافحة الفساد وعملية استرداد الأموال المنهوبة خلال السنوات الماضية".
كما دعت المنظمة إلى "مواءمة التشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادقت عليها اليمن، بالإضافة الى ضمان الاستقلالية اللازمة لضمان كفاءة عمل الجهاز للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد".
ودعت الشفافية اليمنية أيضا، إلى إحالة المتورطين بقضايا فساد الى القضاء، وحجز أرصدتهم بالداخل والخارج، لضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
معضلة اليمن في غياب المؤسسات
من جهته، أكد عضو المجموعة اليمنية للشفافية والنزاهة اليمنية عبدالقادر البناء أن "هناك أسبابا قديمة جدا، زرعت مع منظومة الدولة ومؤسساتها خلال الفترة السابقة، حيث جرى التعامل مع الدولة على أنها مصدر للثراء غير المشروع، وتم ممارسة هذا السلوك من قمة هرم السلطة بدءاً برأس النظام الذي كان يعدّ الدولة ملكية خاصة يتصرف بأموالها وأراضيها وفقا لرغباته ومزاجه الشخصي، وليس بناء على اللوائح والأنظمة التي تحكم هذه العملية".
وأضاف البناء لـ"عربي21" أن "هناك مشروعين: الأول يطمح إلى التأسيس لدولة جديدة، والدفع باتجاه التحاور من أجل وضع تلك الأسس، ونجح بعض الشيء، رغم أن نصف المتحاورين تقريبا، كانوا ضد بناء دولة جديدة، إلا أن القوى الطامحة انتصرت في وضع مخرجات تخدم توجه الدولة في سياق مكافحة الفساد".
واعتبر البناء أن الطرف الآخر هو "القوى المتضررة من هذا التوجه، والتي مازالت تمسك بمختلف مؤسسات الدولة، إذ تقوم بعمليات عرقلة واضحة منذ 2011، وكلها مؤشرات على تصادم المشروعين، والذي يستدعي تضافر جهود قوى التغيير في البلاد إلى عدم الاستسلام بسهولة، ومواجهة هذه الأساليب وإحباطها".
وحسب البناء، فإن "اليمن ترواح مكانها لعدم قدرتها على تطبيق قوانين مكافحة
الفساد المتفاقم والحد من انتشاره "، موضحا أن "معضلة اليمن تتركز في غياب المؤسسات، وكل يوم يزداد غيابها، نتيجة استقواء الميليشيات على اختلاف أنواعها على حسابها، والتي تحاول ممارسة أدوار من الخارج بهدف إصلاح الدولة، وهذا زاد من إضعافها بشكل أكبر، خلال العام الجاري".
وأشار عضو المجموعة اليمنية للشفافية والنزاهة إلى أن "عملية إضعاف دور مؤسسات الدولة لصالح جماعات وأشخاص، هو عنوان بارز خلال هذا العام، عندما تعذر استئصال رموز الفساد من المؤسسات الغارقة في الفساد حتى النخاع "، لافتا إلى أن "الرئيس اليمني
عبد ربه منصور هادي، رغم تمتعه بصلاحيات مطلقة بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إلا أنه عمل وفق آليات تقليدية بدون رقابة أو حدود، ماجعله غير قابل للمساءلة أو المحاسبة من سلطات الدولة الأخرى".
بدوره، قال رئيس المجموعة اليمنية للشفافية والنزاهة نبيل محفوظ إن "إشكالية مكافحة الفساد باليمن تكمن في أن السلطات تقوم بصياغة تشريعات خاصة في هذا الشأن، ثم تقيد هذه القوانين بقيود تضعها في اللائحة الخاصة بها "، مبينا أن "من أبرز هذه القوانين، قانون إقرار الذمة المالية، الذي يعاني من خلل حقيقي، وهو أن إبراء الذمة تم بصورة سرية، ما يكرس غياب مبدأ الشفافية والعلانية التي تجعل من القانون محل ثقة لدى الجميع ".
تبرير غياب الجدية
ومن التحديات التي تواجه عملية مكافحة الفساد في اليمن، وجود بعض القوانين التي تمنح حصانة لبعض المسؤولين، ومن أبرز هذه القوانين قانون منع مساءلة شاغلي المناصب العليا بالبلاد، حيث طالبت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في وقت سابق، بإلغاء هذه الحصانة.
وقال الخبير القانوني اليمني وضاح المودع إن "هناك عدم جدية في إلغاء الحصانة التي يتمتع بها شاغلو المناصب العليا، وكلما يراد تبرير عدم الجدية في مكافحة الفساد، يتم اللجوء الى مثل هكذا مواضيع مستهلكة"
وأضاف المودع لـ"عربي21" أن "هذا القانون سيئ الذكر لم يعط حصانة كما يشاع، بل يشترط لتحريك الدعوى الجزائية للتحقيق لمن هم بدرجة نائب وزير فأعلى تقديم طلب بذلك إلى مجلس النواب ليصوت على الموافقة".
ورأى المودع أن "القانون برغم سوئه، ليس هو المتسبب بالفساد المالي والإداري، لأن الجهات المعنية بهذا الشأن لم تتقدم بأي طلب للبرلمان الذي لاشك أنه سيوافق على ذلك".
وفي السياق ذاته، أوضح المسؤول الإعلامي لفرع منظمة الشفافية الدولية باليمن همدان العليي أن "منظمات المجتمع المدني طوال السنوات الماضية طالبت بإلغاء قانون الحصانة لشاغلي المناصب العليا، لكونه يحمي من يشغلون المناصب العليا، ويمارسون الفساد من المساءلة"، فضلا عن أن "كل القوانين والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد مقيدة بذلك القانون".
وقال العليي لـ"عربي21" إن "أدراج الأجهزة الرقابية في اليمن ممتلئة بقضايا فساد ارتكبها وزراء ونواب، لكن القانون اليمني لا يسمح بمحاسبتهم وتطبيق العقاب الرادع عليهم"، منوها إلى أن "إلغاء قانون رقم (6) لسنة 1995،"سيئ الصيت" بشأن إجراءات محاكمة شاغلي وظائف السلطة العليا خطوة مهمة وانتصار حقيقي لجهود مكافحة الفساد في اليمن، لكن تبقى المهمة التالية هي تطبيق القوانين الأخرى المعنية بمكافحة الفساد على أرض الواقع".
وظهرت اليمن في مؤشر قائمة الشفافية الدولية ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث حصلت على (19) نقطة من (161).