كتب
محمد أبو رمان: بعيداًً عن
تصريحاته الجدلية حول المساواة بين المرأة والرجل، وهي التصريحات التي أثارت جدلاً واسعاً، اتهم الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان وسائل الإعلام بتحريفها، فإنّ التصريحات الأخرى في الاجتماع نفسه، الذي عقد في اسطنبول تحت عنوان "المرأة والعدالة الدولية"، تفسّر أحد أسرار جاذبية أردوغان الشعبية في العالم العربي والإسلامي، وقبل ذلك في تركيا.
إذ انتقد "أنّ البعض حوّل صيد الفقمات إلى قضية عالمية، فيما لم يبد أي رد فعل إزاء مقتل آلاف الأطفال والنساء في فلسطين وغزة وسوريا"! مضيفاً: "قُتل أكثر من 300 ألف إنسان في سوريا، وما يزال العالم صامتاً".
لم يقف هذا الزعيم المشاكس العنيد عند حدود انتقاداته لإسرائيل سابقاً، ولا عن تبنّيه للثورات العربية، لاسيما في مصر وسوريا، بل وجّه انتقادات لاذعة غير مسبوقة، مؤخراً، للإدارة الأميركية، عندما وصف سياستها تجاه سوريا بـ"الوقاحة". ولم يتوانَ عن التهكّم على نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعد أيام من اللقاء به، عندما قال: "لماذا يأتي شخص إلى المنطقة بعد سفر لأكثر من 12 ألف كيلومتراً؟ أريد أن أقول لكم بأننا نرفض التردد وانعدام المسؤولية والمطالب التي ليس لها نهاية".
اشتبك أردوغان، أيضاً، مع الدعاية الدولية الإعلامية الشرسة ضد تركيا، عندما تحدث عن الانتقادات الحادة الموجهة لها لموقفها من "كوباني"، قائلاً: "ينظرون إلى طاغية مثل الأسد ذبح 300 ألف شخص من شعبه، ويلتزمون الصمت بوجه وحشيته. والآن، يقومون بمسرحية حول الضمير الإنساني في كوباني.. سنحل مشاكلنا بمساعدة شعبنا".
بالتأكيد، الرجل ليس ملاكاً ولا كاملاً بلا أي نواقص، بل هناك العديد من الانتقادات التي توجه له، من داخل تركيا وخارجها، سواء فيما يتعلق بالحريات الإعلامية أو الديمقراطية، أو التحول نحو نمط من التفرّد في الحكم. كل ذلك صحيح، ويدركه أصدقاؤه قبل خصومه. لكنّ ما يتميّز به هذا الرجل، ويمثّل سرّ جاذبيته وشعبيته الجارفة في العالم العربي، مقارنة بالحكومات والأنظمة العربية، يمكن اختزاله بثلاث جمل قصيرة:
الجملة الأولى؛ الشرعية الديمقراطية، إذ هو منتخب ديمقراطياً، لأكثر من مرّة، من قبل الشعب التركي. فهو في نهاية اليوم خيار الشعب هناك. وحتى عندما أطاح بخصومه في الداخل، سواء الجيش سابقاً أو حركة فتح الله كولن لاحقاً، فقد كان ذلك عبر اللعبة الديمقراطية، وضمن أصولها. ثم جاءت الانتخابات الأخيرة؛ البلدية والرئاسية، لتؤكد ذلك.
الجملة الثانية؛ شرعية الاستقلال وعدم التبعية. فهو مستقل، وصاحب رأي وموقف، ولديه الشجاعة للتعبير عن ذلك، حتى لو أغضب أصدقاء تركيا في المنطقة، وخلق معهم مشكلات وأزمات عديدة. فبالرغم من كل الضغوط على تركيا للتعاون مع التحالف الدولي في الحرب الراهنة على "داعش"، إلاّ أنّه رفض ذلك من دون التوصل إلى مقاربة شاملة، تضمن الإطاحة بنظام الأسد بالتزامن مع القضاء على هذا التنظيم، ووضع شروطاً لانخراط تركيا في التحالف.
قبل ذلك، كان أردوغان يوجّه انتقادات غير مسبوقة لإسرائيل. واشتبك مع بعض الأنظمة العربية لانتقاده الانقلاب العسكري في مصر في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة. ولعلّ الأتراك لم يفعلوا شيئاً حقيقياً لوقف العدوان
الإسرائيلي الأخير على غزة، لكنّ خطابهم كان الأكثر شراسة وصلابة وقوة ضد إسرائيل، في حين كانت أغلب الدول العربية في حالة "كوما" سياسية!
الجملة الثالثة؛ شرعية الإنجاز. فخلال 12 عاماً فقط، منذ وصول حزب أردوغان "العدالة والتنمية" إلى السلطة في تركيا، نهضت البنية التحتية بصورة غير مسبوقة، وانتعش الاقتصاد التركي، وتخلص من غائلة الفساد التي كانت تنهش به، وحدثت نقلة نوعية تجعل من الشعب التركي هو الحكم الأول على شعبية أردوغان وتقييمه!
(صحيفة الغد الأردنية)