كتب حسام عيتاني: في منتدى عُقد في عاصمة خليجية قبل أسابيع قليلة، وبعد احتدام السجال بين المشاركين العرب والإيرانيين، تدخل مدير الجلسة الأميركي قائلاً: «أتمنى على الزملاء العرب أن يقدّروا أن إيران وُجدت هنا لتبقى». لم يعجب الكلامُ الأميركي المتحدثين العرب، لكنه انطوى على تذكير ببداهات السياسة والتاريخ والاستراتيجيات في هذه المنطقة.
ومع انتهاء المدة المفترضة للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الاثنين المقبل وبعد المفاوضات في عُمان ورسائل الرئيس باراك أوباما إلى مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، لا بأس من التذكير ببعض البداهات هذه.
أولها: أن إيران دولة مركزية في المنطقة، قبل ثورتها في 1979 بزمن بعيد. ومساحتها الكبيرة تضعها في قلب المعطى الاستراتيجي في المنطقة بغض النظر عن طبيعة النظام القائم فيها. يضاف إلى ذلك امتلاكها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز وكتلة بشرية تمتاز بمستوى مقبول من التعليم والثقافة (مقارنة بالدول المحيطة)، كما أن الدولة والبيروقراطية كبنية مستقرتان إلى حد بعيد في الوعي الإيراني.
ومما يتجاهله الباحثون العرب هو أن طهران كانت على مدى عقود «شرطي الخليج» بتكليف أميركي ورضى عربي واضحين. وما زالت آثار ذلك الدور ماثلة في احتلال إيران ثلاث جزر إماراتية، رفضت الحكومة «الثورية» إعادتها متبنية تبنياً حرفياً موقف حكومة الشاه التي احتلت الجزر مطلع السبعينات من القرن الماضي.
من جهة ثانية، يقول المسؤولون الأميركيون: إنهم لا يريدون العودة إلى الشرق الأوسط والغرق في مستنقعاته مرة ثانية. وأوباما برسائله الأربع إلى خامنئي وإلحاحه على التفاوض مع إيران في إطار مجموعة «5+1» وضمن الوكالة الدولية للطاقة النووية وفي المفاوضات السابقة في مسقط، التي أفضت إلى الاتفاق الموقع في شباط (فبراير) 2013 وما تبعه من رفع جزئي وتدريجي للعقوبات الدولية، أظهر في كل ذلك استعداده لتقديم تنازلات كبرى في سبيل إنجاز التسوية التاريخية مع الإيرانيين، الذين في المقابل، انتقلوا من حافة الانهيار التي تحدث عنها الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني إلى استعادة الأنفاس على المستوى الاقتصادي، وتعليق الآمال على تغيير مسار الأحداث بعد فشلهم الأخير في العراق وسقوط الموصل.
من وجهة النظر الأميركية، تشكل إيران حليفاً يمكن الركون إليه في ضمان المصالح الاستراتيجية في المنطقة، فإيران تبدو حليفاً يمكن البناء على قوته العسكرية واستقرار الحكم فيه. ورغم كثرة التوضيحات الأميركية والإيرانية النافية لأي بحث خارج المشروع النووي الإيراني، لا يمكن القارئ أن يتعامى عن إرتباط المشروع المذكور بمجمل الوضع الإيراني وامتداداته في العراق وسورية واليمن ولبنان، وصولاً إلى فلسطين. وساذج من يظن أن الإيرانيين سيقدمون تنازلات مجانية في برنامجهم النووي دون أن ينالوا الثمن المناسب الذي يضمن لهم نفوذهم وأمنهم في هذه المناطق.
الاستياء العربي ينبغي ألا يُوجه لا إلى الأميركيين ولا إلى الإيرانيين. فالجانبان يتبادلان الخدمات والمصالح وفق الحاجات والمعطيات الظاهرة. والخشية العربية من أن تكون أي صفقة مقبلة على حساب مصالح الدول العربية مبررة، لكن المسألة ليست هنا.
ورغم تعدد الإهانات التي اجتهدت وسائل الإعلام العربية في توجيهها إلى أوباما، يتعامل هذا الرئيس مع ما بين يديه من معطيات لتحقيق مصالح بلاده. وليس بين المعطيات شيء عربي يُذكر. وعلى العرب أن يسألوا أنفسهم مرة جديدة: أين كنا عندما جرت هذه الصفقات على حسابنا؟ وهذا سؤال لم يجد جواباً منذ وعد بلفور واتفاقية سايكس- بيكو وحتى اليوم.
(الحياة اللندنية - الجمعة 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)